مقالات رأي

أجواء “ضبابية”.. هل “تناور” بعبدا لـ”إحراج” الحريري؟

خاص “لبنان 24”

خلافًا للأجواء لتي سبقته، لم يبدُ اللقاء التاسع عشر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري “تفجيريًا”، بل أتى “ليّنًا ومَرِنًا” إلى حدّ بعيد، لدرجة أنّ الأخير خرج بعده هادئًا، متحدّثًا عن تسليم الرئيس صيغة حكومية جديدة من 24 وزيرًا، متمنّيًا أن يحصل على ردّه عليها خلال 24 ساعة.

صحيح أنّ ما حدث كان ضمن “السيناريو” الذي تمّ تداوله منذ صباح أمس، والقائم على أن يضع الحريري “خرطوشته الأخيرة” في يد رئيس الجمهورية، ليرمي بذلك “كرة النار” إلى ملعب الأخير، ليأتي “اعتذاره” بعد ذلك نتيجة تلقائيّة لرفض الرئيس التجاوب مع هذه “الفرصة”، ما يحمّله مسؤولية كلّ التداعيات “الكارثيّة” التي يمكن أن تنجم عن ذلك.
إلا أنّ “التكتيك” الرئاسيّ جاء مخالِفًا للتوقّعات، فمع أنّ هناك من وصف التشكيلة بأنّها تشكيلة “اعتذار” لا “تأليف”، خصوصًا أنّ الرئيس المكلف أعاد توزيع الحصص والحقائب بمُعزَلٍ عن الاتفاقات السابقة مع رئيس الجمهورية، إلا أنّ الأخير أبدى “انفتاحًا” عليها، ولم يرفضها بالمُطلَق كما فعل سابقًا، ما أرخى أجواء من “الضبابيّة” على المشهد العام.
الحريري “يصفّي” أموره كرئيس مكلّف.. وشرطٌ واحد قبل الاعتذار
بين مهلة الـ 24 ساعة وبين الحريري “بيؤمر”… ضاع البلد

هل “يناور” الرئيس؟

ثمّة أكثر من وجهة نظر يمكن أن تفسّر المنحى “الرئاسيّ”، إحداها إيجابيّة، وتنطلق من “الزخم” العربي والدولي الذي رافق اللقاء التاسع عشر بين عون والحريري، والذي يفرض على الأول أن يتخلّى عن “شروطه وفيتواته”، ويسهّل تأليف الحكومة، بأيّ صيغة مُتاحة، لأنّ البديل سيكون “كارثيًا”، وسيكون “العهد” المتضرّر الأكبر من كلفته العالية.
لكن، في مقابل هذا الرأي، الذي لا ترجّحه تجربة الأشهر المنصرمة، ثمّة اعتقاد بأنّ ما حصل قد لا يعدو كونه “مناورة” ارتأى الفريق “الرئاسيّ” أن يواجه بها “سيناريو الاعتذار” الذي أراد الحريري أن يكتب فصله الأخير، لا سيّما وأنّه استبق زيارته إلى بعبدا، بإعدادٍ لمقابلة تلفزيونية مرتقبة مساء اليوم، تم اختيار عنوان غير بريء بالمُطلَق لها ، هو “من دون تكليف”، يُعتقَد أنّها قد تمهّد لـ”الطلاق النهائيّ” مع الرئيس عون.
لذلك، يعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ الحريري لن يحصل على مُراده، وبالتالي فإنّ أيّ جواب “حاسم” من رئيس الجمهورية قد لا يصله قبيل موعد المقابلة، وهو ما مهّد له الفريق الرئاسيّ أصلاً في الساعات الماضية، سواء بالحديث المكرّر عن “سابقة دستورية” من خلال “تقييد” الرئيس بمهلة، أو من خلال ما جاء في البيان عن حاجة التشكيلة إلى “الدرس والتشاور”، قبل أن “يبنى على الشيء مقتضاه” بنتيجة ذلك.

ماذا سيفعل الحريري؟

إذا صحّت فرضية “المناورة” هذه، فهي تعني أنّ رئيس الجمهورية أراد “إحراج” الحريري، فهو إذا سار في المخطّط المرسوم، وأعلن “اعتذاره” في مقابلته التلفزيونيّة، سيتحمّل مسؤوليّة “التسرّع”، وربما “التهوّر”، باعتبار أنّ أيّ ردّ سلبيّ لم يأتِه من الرئيس، الذي كان أبدى “انفتاحًا” على التشكيلة، وبالتالي يصبح هو المسؤول عن تضييع “الفرصة”.
أما إذا لم يفعل، فقد تكون البلاد على موعد مع فصل جديد من مسرحية “المماطلة” التي باتت ممِلّة، إلى حدّ بعيد، علمًا أنّ عارفين يجزمون بـ”استحالة” قبول رئيس الجمهورية بالصيغة “الحريريّة” كما هي، طالما أنّ الحريري شكّلها “كما يحلو له”، ما يُفسَّر “عونيًا” على أنّه “ضرب” لـ”الجوهر” الذي يصرّ عليه الفريق “الرئاسيّ” منذ اليوم الأول، وهي دور رئيس الجمهورية “المُلزِم”، من خلال توقيعه، في عملية التأليف.
في مُطلَق الأحوال، تبقى كلّ الاحتمالات واردة، إذا ما بقي الحريري على “نيّته” بالحسم، ولم تؤجَّل المقابلة بانتظار “ردّ” الرئيس، لتُسجَّل بذلك نقطة سلبيّة أخرى على كلّ المعنيّين بالتأليف، فالوقت ليس “مناورات”، ولا “نكايات”، ولا “تسجيل مواقف”، والسباق ليس على من يتحمّل مسؤولية “الانهيار”، بل على وجوب تفاديه ومنعه، ما يوحي مرّة أخرى أنّ الطبقة السياسية تغرّد في اتجاه آخر، من دون أيّ اكتراث بالواقع القائم.
يبقى السؤال المشروع الأهم، فماذا لو فعلها رئيس الجمهورية، ووافق على تشكيلة الحريري، كما هي، “كرمى لعيون الوطن” هذه المرّة، لا “الصهر”؟ قد يتمنّى كثيرون أن ينتصر هذا “السيناريو”، لكنّ كثرًا آخرين يستبعدونه من أساسه، فمثل هذه “التضحية” ليست واردة في قاموس مسؤولين يفكّرون “انتخابيًا” في ذروة “الانهيار الكبير”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى