نزلاء السجون في خطر: “المياه شديدة التلوث” وملف “الاكتظاظ” على طاولة اللجنة النيابية
فيض هائل من الانتهاكات والمخالفات توصّلت إليها الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب في زيارتها الأخيرة للسجون وأولهم رومية، وأخفّها وقعاً على الآذان أن “مياه السجون شديدة التلوث ولا تصلح حتى للاستحمام”!… ولعلّ المشكلة الأولى الأشد إلحاحاً في هذه الآونة هو حقيقة أنه وبعد 43 يوماً من الصرخة الأخيرة لأهالي السجناء عن جوع طرق أبواب السجون لا زالت المشاكل “مكانك راوح” وأهالي الموقوفين لا يزالون ينتظرون أن يُسمح لهم بإدخال الطعام لأبنائهم!
لم يكن مشهد المؤسسات السجنيّة العقابية في لبنان “غير الإنساني” ابن ساعته الأخيرة، بل كان تتمةً لسنوات من الإهمال والفساد والهدر. وفي غمرة الارتدادات الناجمة عن كل ذلك، تحوّلت السّجون من مؤسسات ذات أهداف إصلاحية إلى أماكن مكتظة بالموقوفين بما فيهم أبرياء طال انتظار محاكماتهم، ومرافق غُيّبت فيها مقوّمات إعادة التأهيل، ومربّعات غير آمنة لا صحيّاً ولا غذائياً ولا تضمن بشكل نهائي اندماجاً اجتماعياً لاحقاً لمن يُفرج عنه. وبفضل بركات هيمنة ثنائية “الفساد والسلاح” وسيطرتها على مقاليد تعطيل المؤسسات، هل تُبحر مديرية السجون إلى حتفها؟ وماذا يقول التقرير السري المفصل عن واقع التوقيف الاحتياطي واكتظاظ النظارات والسجون اللبنانية؟
قيد التوقيف لأجل غير محدد!
لا يتوقع أحد أن يكون التقرير الذي أعدّه القاضي رجا أبي نادر، بالرغم من فداحة الفضائح المذكورة فيه، خاتمة السلسلة الطويلة من الإخلالات في حقوق الإنسان. وفي الفضيحة الأولى “هناك عدد كبير من الموقوفين في السجون اليوم، من فئة غير الممثلين بمحام (الذين لا يراجع أحد من قبلهم قلم المحكمة) تصدر إخلاءات سبيلهم دون أن يكونوا على علم بصدورها ، ولا يبلغهم أحد، فلا يتمّ دفع الكفالة، ويبقى بالتالي قيد التوقيف لأجل غير محدد في السجون. لماذا؟ لأن الأقلام لا تُبادر من تلقاء نفسها إلى تحرير خلاصة عن قرار إخلاء السبيل وإرسالها إلى السحن وبالتالي يبقون إلى ما شاء الله!”
السجن دون وجه حق!
لا بل قد تبيّن أنه في الكثير من الأحيان “تتعثر وصول خلاصات الأحكام إلى السجن بسبب عدم المكننة أو الخطأ البشري أو عدم تحريرها من الأساس أو التأخير غير المبرر لتحريرها وإرسالها أو إرسالها إلى السجن الخطأ أو ضياع الخلاصة وفقدانها أو غيرها من الأسباب التي يمكن تفاديها بالمكننة أو التي يمكن أن تحدث بسبب كثرة الملفات أو ربما اللامبالاة وهو ما يؤدي إلى الحرمان من الحق بإعادة النظر بالأحكام أو الطعن بسبب تجاوز المهل الزمنية وبالتالي إلى السجن دون وجه حق زيادة على مدة العقوبة المقضي بها”.
وما أدراك ما “موظفو الأقلام”
والأنكى من كل ذلك “الحالة المتردّية للأقلام والأجهزة الإدارية التابعة للمحاكم الجزائية، بمواردها البشرية، واللوجستية، ومعداتها وبنيتها التحتية، والنقص الذي يعانونه في التدريب وغياب المناقبية في العمل، وإنتفاء الجديّة في الرقابة والمحاسبة”. فهناك من يُدوّن (عن قصد أو غير قصد) بشكل خاطئ الأرقام على الخلاصات والإشعارات التي ترسل الى السجن، فيتناسى ويغفل (لغاية ما أو بدون غاية) تدوين عبارة “موقوف” أو “مخلى سبيله” على الملف، أو يفقد الملف أحياناً، أو يُحيله (لسبب أو بدون سبب) الى جهة قضائية غير مختصة أو لا يسترد (عن سابق إصرار أو سهو) مذكرة التوقيف الغيابية بالرغم من صدور قرار بمنع المحاكمة أو مثلاً يُخطئ في تدوين الأسماء!” وكل ذلك ناتج عن “عدم مكننة المحاكم، وغياب الرابط الآلي بينها وبين السجون والنظارات والمخافر، وإقتصار سائر الإجراءات على المعاملات الورقية البدائية” ناهيك عن “التأخير في عدد كبير من الحالات، في بتّ الطلبات والملفات المطروحة أمام عدد من المحاكم”
عالوعد يا كمون
الحل البديهي الذي يخطر على بال الصغار قبل الكبار لحل مشكلة أي “اكتظاظ” كان، يتم عبر بناء أمكنة جديدة، أما التقرير، فيذكر أيضاً “النقص الحاد في عدد السجون والنظارات وسائر أماكن التوقيف وضيق مساحتها، هذا مع العلم أن معظم مراكز التوقيف في لبنان ليست بسجون بل هي عبارة عن أبنية أو طوابق ضمن مباني السرايا أو الثكنات العسكرية تمّ تحويرها وهي لا تراعي، من سائر النواحي، أدنى المعايير الدولية، فضلًا على أنه لم يتمّ إستحداث أيّ سجن منذ مدّة طويلة” فأين الوعود المتكررة لبناء سجن، وأين الأموال التي خُصصت لذلك؟ ولماذا لم يُطلق حتى الآن العمل بمبنى الخصوصية الأمنية في سجن رومية؟ ولماذا تغيب مؤسسة المراقبة القضائية “الموعودة” وبالتالي البديل عن التوقيف وذلك رغم الإشارة إليها في متن قانون أصول المحاكمات الجزائية؟
صرخة تنتظر تدخلاً!
في السياق كشف رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب الدكتور فادي جرجس لـ”صوت بيروت انترناشونال” أنه وفي زيارته الأخيرة للسجون، تم أخذ عيّنات من المياه، والنتائج جاءت جد سلبية، فالمياه شديدة التلوث ولا تصلح للّمس، لا يجب أن تُستعمل في غسيل أطباق الأكل ولا في غسيل الأيدي ولا الاستحمام ولا للشطف ولا لأي شيء على الإطلاق، أما الباكتيريا الموجودة فيها، فمؤذية صحياً وتؤدي إلى الحكاك وإلى أمراض جلدية خطيرة. ويضيف “”وهنا لابد من الإشارة أنه مهما حاولنا من جهتنا فرض الحلول أو الضغط، لا يمكننا زحزحة الوضع إلى تغيير يُذكر، الكرة في ملعب القضاة، القضاء “مقصّر” والتفتيش القضائي مُلغى برأيي وليس مشلولًا، وهناك كم لا يُستهان به من “زلم السياسيين”، رؤساء أقلام “بيشيلوا وبيحطوا وبيسرّبوا”، باختصار شديد، السياسة والأمن يُسيطران على القضاء، إلى حد أنه تصدر أحكام ولا تُنفّذ!”
ويُكمل أسئلة، الإجابة عنها ستسهم في تصحيح إدارة المشهد ومسار التحوّل، ونحن موعودون بالحل منذ أكثر من شهر وما زلنا ننتظر. مثلاً، متى سيتم تحصين السّجناء من فايروس كورونا كي يُكسر القانون المستحدث الذي يمنع الأهالي من إرسال أكل (مدعوم من خارج السوبرماركت) لذويهم من السجناء؟ لماذا ليس هناك من مواد مدعومة من سكر وملح ومعكرونة وتونا وزيت وحليب وأرز وعدس وغيره في السوبرماركت الخاصة والحصرية بالمساجين والتي يُطلق عليها إسم “الحانوت”؟ إلى متى ستعاني سجون لبنان من انعدام الأمان الغذائي؟ المرة الأخيرة، ما أن ذًكر في الإعلام أننا على وشك الزيارة، أو “كبسة” إلى رومية، فتحرّكوا مُسرعين وعملوا على نقل أطعمة على مدة أيام! واليوم نطلق صرختنا عبر “صوت بيروت انترناشونال” حول مشكلة المياه الملوثة. فهل ستتحرك لجنة حقوق الإنسان النيابية؟ أو أي من المعنيين؟