مقالات رأي

العهد منهار و”التيار” كاد يشعل النار

إذا كان مجلس القضاء الأعلى آثر التريث الى اليوم للاستماع الى القاضية غادة عون قبل اتخاذ قراره النهائي ‏في ظاهرة تمرد قضائي تؤكد الوقائع ان القضاء لم ير مثيلاً لها حتى إبان حقبات الحروب، فهذا التريث الذي لم ‏يستستغه الحرصاء على مهابة القضاء ومؤسسته الام، لم يحجب ابداً الترددات البالغة الخطورة التي توالى ‏ظهورها لليوم الرابع في سياق هذا التطور القضائي السلبي الذي قفز الى واجهة المشهد اللبناني.

‎ “وفي مشهد الامس، “‎كسْر القانون واجب وطني”… هي عيّنة من الشعارات العونية التي جاهر بها أحد متظاهري ‏‏”التيار الوطني الحر” ممن تنكّروا أمام قصر العدل أمس بقناع “المودعين”، قبل أن ينزعه ‏عنهم “مخبر” ميرنا الشالوحي، حين قاطع المحامي وديع عقل عبر الهواء مباشرةً بـ”وشوشة” ‏التقطها مذياع قناة “الجديد”، هامساً في أذن عقل وآذان ملايين اللبنانيين: “إجت أوامر ‏للانسحاب‎”.‎

وكما شرذمت معارك العهد العبثية وسياسات تياره الشعبوية البلاد، رئاسياً وحكومياً ومالياً ‏وسياسياً وسيادياً، كذلك شقّت الصفوف في قصر العدل فحوّلته إلى “مسرح دمى” سياسية ‏متناحرة بين قاض وآخر، ونائب عام وآخر، لحسابات تبتغي الربح السياسي بين تيار وتيار، ‏بحيث نجح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قضائياً حيث أخفق حكومياً في جرّ ‏‏”تيار المستقبل” إلى شجار طائفي، فكان له ما أراد أمس من انقسام في شارع “العدلية” بين ‏رصيف عونيّ مؤيد لتمرّد القاضية غادة عون على مجلس القضاء الأعلى، وآخر “مستقبلي” ‏مؤيد لمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بينما استعاض باسيل عن مجده “الضائع” ‏في مجلس الوزراء فوجد ضالته في مجلس القضاء الأعلى حيث فرض لعبة “الثلث المعطل” ‏على أعضائه وشلّ قراراته‎.‎

وتبدو الصورة الداخليّة في منتهى العبث، لم يبق شيء إلّا وسقط، او أصبح ‏آيلاً للسقوط. وبذلك تتبدّى صورة صادمة تعكسها مسرحيات سخيفة، ‏لا بل مقرفة، تتنقل من ملف الى ملف، وتزرع فتائل التوتير والعبوات ‏الناسفة للاستقرار في كل الأرجاء.‏

المشهد المفجع، انهيار مريع لمنظومة الدولة، هيبة ساقطة، ‏ومعنويات مكسورة، ومؤسسات وسلطات محطّمة تتساقط واحدة ‏تلو الأخرى.. كلّ ذلك نتيجة طبيعية جداً عندما تفقد الدولة رجالها، ‏وعندما تسقط القيم وتنعدم الأخلاق السياسية وغير السياسية، ‏وعندما يفقد المسؤول صدقيته، ويمعن في إنكار ما بلغه حال البلد ‏من ظلم وفقر وجوع وانعدام كل عناصر الاستمرار، وكذلك في إنكار ‏الجريمة التي يتمادى هذا المسؤول في اقترافها بحق البلد واهله، ‏وفي تعميق الجروح ومفاقمة أسباب الأزمة.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى