اخبار لبنانمتفرقات

صور تخوض معركة حق الناس بالبحر المجاني من دون التفريط بالمحمية

كتب حسين شعبان في المفكرة القانونية :

 

عبثا تحاول رحاب حلاوي، فرش منشفتها على شاطئ مدينة صور من دون أن تبدي انزعاجها ومخاوفها من تلك القساطل التي تنتصب من حولها تنفيذا لمشروع وضع سياج حديدي يقفل قسما من الشاطئ الرملي الشهير في محمية صور.  تقول ابنة المدينة إن مشروع البلدية الجديد يهدّد حقها بالوصول الحرّ والمجاني إلى آخر مساحة مفتوحة للعموم في مسقط رأسها. وتضيف: “أنا معلمة مدرسة وراتبي الشهري لا يتجاوز ال100 دولار، ولا طاقة مادية لي للنزول إلى الخيم البحرية حيث مجرد الجلوس على طاولة قد يكلّف أكثر من 6 دولارات”. تقاطعها صديقتها نادين قميحة لتؤكد: “لا نملك بديلا عن هذا الشاطئ”. تضحك الصديقتان لدى سؤالهما عمّاذا ستفعلان في حال استكمال إقفال هذه المساحة أمام العموم: “إما ندخل بالقوة أو نشطب فكرة البحر من قاموسنا. لا يوجد حلّ آخر. هكذا بشخطة قلم يشطبون بحر صور من حياتنا”.

انزعاج يتشاركه عمار شهاب وموسى خليل مع الرواد الآخرين، يتمسك الشابان اللذان التقيناهما أيضًا في المنطقة المنوي إقفالها بإبقاء مساحة مفتوحة للناس بعيدا عن الخيم البحرية وبدلاتها المالية. لكن شهاب يبدو متفهّما لأي أسباب بيئية قد تبرّر إقفال بعض الأقسام، مع التمسك بتوفير مكان مفتوح لرواد الشاطئ، فيما يرفض شهاب بشكل قاطع خطة البلدية الهادفة إلى تسييج قسم التنوع البيولوجي من محمية صور أمام الزوار بذريعة حمايته. ولكن ألا يمكن حماية المحمية من دون عزلها عن الناس؟ ولماذا لا تطبق البلدية معايير صارمة لمنع التجاوزات عليها بدل منعنا عنها”، تسأل حلاوي مستغربة.

بدوره يرى روني قعدان الذي أتى مع مجموعة من أصدقائه من شبعا، على الحدود مع فلسطين المحتلة، إن البلدية بحاجة لحلول أخرى: “اليوم شهدتُ على إشكال كاد يصل حدّ التضارب بين عناصر من البلدية وأحد الزوار بسبب وضعه شمسية أمام الخيم البحرية، وهو القسم المصنف سياحيا لكن البلدية تؤجّره لمستثمرين. بعدها غادر إلى المنطقة المحاذية (القسم المصنف علميا) كي يجلس بحريّة، ماذا لو أقفلت هذه المنطقة؟” هنا تتدخّل حلاوي لتعاود أسئلتها: “ما دامتْ البلدية بتحرس الخيم البحرية لتمنع الناس من الاستفادة المجانية منها حرصا على مصالح المستثمرين، فلماذا لا توظّف قدراتها هنا لتحرس القسم العلمي وتحميه من بعض التجاوزات المضرّة بالبيئة المحمية والشاطئ من دون أن تمنع الرواد عنه؟”

يشغل هذا النقاش اليوم ليس فقط الرأي العام في صور، بل معظم محبّي المدينة وروادها من كل لبنان، حيث قُضمتْ معظم المسابح الشعبية والمجانية على طول الشاطئ لصالح المعتدين على الأملاك البحرية، لتحرم عامة الشعب من التمتّع المجاني بالبحر وحقّهم بالسباحة والتنزّه من أكلاف لا يقدر عليها معظم اللبنانيين اليوم، خصوصا في الأزمة المستمرة منذ 4 سنوات.

إذن ماذا يحصل في صور، وتحديدا في محميتها المترامية على مساحة 380 هكتارا؟ يبدو أن السلطة المحلية فيها، ومعها القوى الداعمة لها، لا تريد أن تترك مكانا مجانيا لمرتادي الشاطئ. وما هي حيثيات مشروع عزل القسم العلمي والتنوع البيولوجي من المحمية وما هي هواجس الناشطين والبيئيين في المدينة ومعه الحلول المقترحة؟

يذكر أنّ التوجّه لإقفال القسم العلمي من شاطئ المحمية البحرية في صور طُرِح بسبب ممارسات غير منضبطة تهدّد التنوع الحيوي فيه، من اجتياح الخيّالة له، إلى دخول بعض السيارات، وصولًا إلى تراكم النفايات، وفق ما تقول بلدية المدينة. وإن كانت مسؤولية ضبط هذه المخالفات تقع على عاتق السلطة المحليّة نفسها، فإن هذا التحقيق يستعرض ظروف المحمية الذي أوصل إلى هذا الوضع، وسبل كفالة الحق بالوصول المجاني إليه مع الالتزام بأولوية حماية خصوصيته وموارده.

 

قساطل السياج المنصوبة على الشاطئ العام

3 أقسام لمحميّة شاطئ صور الطبيعية

تعتبر محمية شاطئ صور الطبيعية أحد أهمّ المعالم البيئية والسياحية على حوض المتوسّط، حيث تجمع بين جمال الشاطئ الرملي الذهبي وغنى التنوّع البيولوجي والبيئي. تعتبر هذه المحمية موطنًا لطيّف واسعا من الأنواع النباتية والحيوانية، بعضها فريدة كنبتة البنكراتيوم التي لا تنمو إلا على شاطئ المدينة. كما وتقع في موقع استراتيجي على طول مسار الطيور المهاجرة، مما جعلها مرتعًا هامًا لاستراحة وتغذية الطيور خلال رحلاتها الطويلة، وأهّلها لأن تُصنّف “مناطق رطبة ذات أهمية دولية محددة”، وفقاً لاتفاقية رامسار الدولية. تنتشر في المحمية عصافير المستنقعات، كما تضم آخر الكثبان الرملية المتبقية في لبنان، وتعتبر موقعًا هامًأ لتعشيش السلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض عالمياً، كالسلحفاة ضخمة الرأس والسلحفاة الخضراء.

اعمال الحفر والحجارة والباطون

وللمحمية قيمة أثرية كبرى، إذ تعتبر جزءًا من مدينة صور القديمة المصنفة كموقع تراث عالمي، وإضافة إلى بركها وبعض آثارها الظاهرة، يقع تحت رمالها الناعمة الميناء المدفون لصور البرية، بآثاره وقواربه الخشبية، وهو موقع ما بين تل الرشيدية وتل المعشوق ينتظر الاستكشاف.

وبموجب قانون إنشاء محمية شاطئ صور الطبيعية الصادر عام 1998 (قانون رقم 708)، تُقسّم المحمية البالغة مساحتها 380 هكتار إلى 3 أقسام هي من الجنوب إلى الشمال: القسم الزراعي ويبدأ من برك رأس العين، ثم القسم العلمي، الذي يأتي بعده القسم السياحي. وفيما يخصّ القانون القسم الأول للاستعمال الزراعي المعيشي، تصنف المناطق الواقعة فيما يشار إليه بالقسم العلمي على أنها “يجب حمايتها بالكامل”، ويترك القسم السياحي “للاستعمال العام كالسباحة والترفيه”، وهو القسم الذي تستثمره البلدية عبر تضمينه وتأجيره لمستثمرين.

وبينما تمنح البلدية استثمار القسم السياحي للخيم البحرية، فهي تقيّد حرية المواطنين -بشكل غير قانوني- بالاستفادة من المساحة الشاطئية أمامها عبر التضييق على من يرغب بإحضار أغراضه والجلوس بحرية. وقد تعزز هذا التضييق من خلال ممارسات عملية مع الوقت. وقد بدأت اليوم أعمال إقفال الشاطئ المصنف قسما علميا، من دون تقديم أي إجابة حتى اللحظة على تساؤلات المواطنين حول مصير المسبح الشعبي، ومن دون أن تعالج مخاوف الجمعيات البيئية من تهديد السياج للتوازن الحيويّ داخل المحمية وتقطيع أوصالها وأيضا بسبب المواد غير الصديقة للبيئة المستعملة في بنائه، إضافة إلى تشكيك قوى المجتمع المدني بأهداف المشروع، وما إذا كان ذريعة لاستثمارات مقبلة بعد إخراج الناس منه، حيث يزخر تاريخ التعامل مع المدينة بانتهاك أملاكها العامة وعلى رأسها شاطئها ورموله.

صور لبعض الحفر التي تم حفرها لنصب أعمدة بها قبل أن يتدخل المخفر ويوقف الأعمال

صور لبعض الحفر التي تم حفرها لنصب أعمدة بها قبل أن يتدخل المخفر ويوقف الأعمال

تشكيك بالآثار البيئية للسياج الحديدي

باشرت البلدية تثبيت سياج حديدي في غير موقع من المحمية قبل عامّ. وقد وصلت أعمالها إلى القسم المفتوح للعموم في الأسبوع الأخير من شهر تموز، مع اكتمال تثبيت قساطل حديد بخرسانة دبشية تحت مستوى السطح، ليوضع لاحقا شبك حديدي فتحاته 6*6 سنتم. علت صرخة السكان والناشطين، قبل أن يتبين أن البلدية لم تستحصل على الموافقات اللازمة من وزارة البيئة، فتوقف المشروع يوم 28 تموز المنصرم بتدخّل من مخفر الشواطئ التابع لقوى الأمن الداخلي. ولكن أيّ توقف؟

يؤكد رئيس بلدية صور ورئيس لجنة المحمية (في الوقت نفسه) حسن دبوق أن المشروع مستمر، مبرزا الطلب الذي تقدم به إلى وزارة البيئة لاستكمال الأعمال. يقول دبوق للمفكرة القانونية أنّ “لا حاجة لدراسة الأثر البيئي للمشروع”، بدوره يؤكد وزير البيئة ناصر ياسين أنه “وبحسب تصميم السياج، نقرر مستوى الدراسة البيئية المطلوبة”. لكن رئيس جمعية الجنوبيون الخضر هشام يونس يرى أن موضوع دراسة الأثر البيئي كان يجب أن يكون “تحصيل حاصل، إذ أن أي مشروع يُنفيذ في المحمية يجب أن تدرس آثاره البيئية، وأن يخضع لتصوّر أوسع ولخطة أشمل”. يضيف يونس: “لا يساورنا شكّ أنّ السياج بمواصفاتِه الحالية والمواد المستخدمة فيه يتسبّب بإرباك التنوع البيولوجي في المحمية. فنحن نتحدث عن طيور تتنقل بين الشجيرات التي تحويها المحمية، محلقة على ارتفاعات ما دون الـ مترين أو مترين ونصف، فضلا عن أن هذا السياج يمنع تنقل الحيوانات الجوالة، التي يشكل تجوالها جزءا أساسيا من دورتها الطبيعية ما بين صيد طرائد وتكاثر، كما قد يكون للسياج آثار على أنواع أخرى ينبغي دراستها”. ويؤكد يونس أنّ “الجمعية تدعم ضرورة تنظيم المحمية بشكل يفيد التنوع البيولوجي واستدامة وتعزيز الموائل الطبيعية التي تضمها، لكن على أساس خطة ومراجعة ودراسة وتقييم”، داعيا إلى “الخروج من الاعتباطية في اتخاذ الإجراءات، نحو تصوّر متكامل لإدارة وتطوير وتحسين ظروف وشروط الحماية والحفظ للتنوّع في المحميّة، وهذا ما لا نراه حتى اللحظة”.

 

بدورها، تكشف المديرة السابقة للمحمية ناهد مسيلب، عن أن تصميم السياج الذي طالبت به خلال فترة تولّيها مهامها كان يجب أن يستخدم مواداً طبيعية كالأخشاب، مع تخصيص فتحات وممرات لبعض الحيوانات التي يجب تجنب إقفال مساراتها، مؤكّدة أن “التنفيذ المتسرّع للمشروع اليوم هو بسبب وجوده ضمن عروض جلب التمويل من المنظمات الدولية المعنية”. وتشير إلى أن السياج الطبيعي كان ليترك مساحة بين القسم السياحي والقسم العلمي، هي بمثابة منطقة عازلة تكون بدورها مفتوحة للعموم، على أن يتم التقيد بكافة الشروط البيئية اللازمة، وفرضها بالقانون.

 إدارة المحمية بيد القوى السياسية المهيمنة على صور

في منتصف التسعينات، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري استملاك الأراضي المصنّفة محمية اليوم، والتي تعرف عقاريا باسم “جفتلك صور”، مقترحا أن يحصل عليها مقابل عقد بناء وتشغيل ونقل ملكية (B.O.T) لإنشاء مرفأ تجاري عند جزيرة الزيرة، تمتد مقابله “سوليدير صورية” تنشأ مع ردم البحر بمساحة 800 ألف متر مربّع بين شاطئ المدينة الشمالي والمرفأ المنوي إنشاؤه. تقول رئيسة الجمعية الدولية لحماية صور مهى الخليل إن هذا المشروع كان بالاتّفاق مع رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري، وكتبت عنه الصحف يومها، وشكّل بري لأجله لجنة من 5 وزراء جنوبيين، كما عقد، بهدف الترويج له، مؤتمرا دعا إليه بالاسم ألفيْ شخصية من أبناء المدينة، قبل أن تنجح حملة مضادة ورفض الأهالي بسحب المشروع من التداول. ومن حراك رفض مشروع بري يومها، ولدت حملة إنشاء المحمية.

هدف اقتراح قانون إنشاء المحمية المقدّم في العام نفسه إلى حماية المنطقة. وهو بحسب الخليل، التي كانت من ضمن من عملوا عليه: “لم يتضمن أي تقسيمات، ليقرّه مجلس النواب بعد سنتين معدلا، فمُررت التقسيمات الحالية بين سياحي وزراعي ومحمي بالكامل، وحُددت لجنة للمحمية تتألف من ممثلين عن وزارة الزراعة، قائمقامية صور، بلدية صور وجمعيتيْن بيئيتين أسّستهما رندة بري. ومع حصر جميع الصلاحيات بيد اللجنة، ضمنت حركة أمل السيطرة على إدارة المنطقة”.

خلال تلك الفترة، كان القسم المصنّف سياحيّا اليوم كسائر أقسام المحمية، يتمتع بغطاء نباتي وتنتشر فيه مستنقعات المياه، كما كان مرتعا لعمليات نهب الرمال بحماية القوى السياسية المسيطرة. ومع إعلانه قسما سياحيا، تروي الخليل، أن “رندة بري سعتْ إلى إنشاء 40 مطعمًا فيه، إلا أن الأونيسكو منعت بشكل صارم أعمال الحفر والبناء، فكان البديل تثبيت الخيم البحرية المؤقتة موسميا، والتي بدأت بأقل من 10 خيم حتى تجاوزت المائة في 10 سنوات، وزّعت بناء على محسوبيات سياسية وضمن شبكة الزبائنية التابعة لحركة أمل والمقربين من شخصياتها”. وتستثمر الخيم بموجب عقود سنوية مع البلدية مقابل بدلات مادية تبلغ هذا الموسم 4 ملايين ليرة شهريا عن كل متر عرضي (كانت 67$ قبل بدء انهيار سعر صرف الليرة).

في عام 2011، خُفض العدد إلى 49 خيمة يتراوح عرض كل منها بين 8 و12 مترًا مربعًا، بناء على مخطط إدارة وضعته وزارة البيئة مع مشروع سواحل المتوسط، لكن الخيم ظلت تسيطر على معظم مساحة القسم السياحي. وتطالب وزارة البيئة منذ عام 2005 بتخفيض عدد الخيم إلى 40، الأمر الذي يسمح بتوفير المزيد من المساحة المفتوحة للجميع مجّانا ضمن القسم السياحي. بكل تأكيد، حتى المساحات الشاطئية أمام الخيم يجب أن تكون مفتوحة من دون قيود لتجمع المصطافين والراغبين بالسباحة والبحر ومن دون تمييز بين من يدفع ومن لا يدفع لهذه الخيم، فعقد الاستثمار لا يشمل سوى أمتار محددة من الرمل، ولا يجوز أن تجتهد البلدية للتحكم بكيفية استفادة الناس من الشاطئ خارج هذه الأمتار. رغم ذلك فإن قائمة الممنوعات تطول وهي تشمل منع القيام بممارسة أيّ من الرياضات أو وضع كراسي للجلوس أو للتشمس فضلًا عن طاولات مهما بلغ شكلها أو حجمها، أو نصب شماسي أو خيم صغيرة لردّ الشمس، وصولُا إلى مجرّد الجلوس ضمن مجموعات من أفراد الأسرة أو الأصدقاء “وكلّ ما قد ترى فيه البلدية عرقلة لطريق زبائن الخيم نحو البحر، فالأساس هو أن المساحات الشاطئية أمام الخيم البحرية ليست للعموم بل هي طريق عبور زبائن الخيم نحو البحر”، بحسب ما يوضح أحد مستثمري الخيم البحرية.

تجيب مصادر من داخل إدارة المحمية، فضلت عدم الكشف عن اسمها، عن سؤالنا حول أسباب عدم السير بتوجيهات خفض عدد الخيم واستمرار البلديّة بفرض قيود معينة على الزوّار غير الراغبين بالاستفادة من خدماتها، إلى “عدم رغبة رئيس البلدية بالتّصادم مع المستثمرين”، معتبرةً أن “قرارات اللجنة، حتى في الشؤون العلمية، لا تزال حتى اليوم تخضع للمفاضلة بين الإرادة السياسية والمصالح مع المستثمرين من جهة، وبين مصلحة المحمية، بمعنى أن رئيس البلدية هو نفسه رئيس المحمية، وهو الذي يبتّ بكل الصلاحيات، ولا يملك مدير المحمية أي صلاحيات حتى بالأمور العلمية، وهذا يعيق العمل خصوصا حين تتعارض مصلحة المحمية مع ما يريده رئيس البلدية”.

 

ومستثمرو الخيم البحرية شبه ثابتين، يستمرون أنفسهم تقريبًا في عملية تغيب عنها الشفافية، ولديهم الصلاحية بالتنازل عن الاستثمار مقابل بدل ماديّ لمستثمرين جدد، أو حتى تأجير الاستثمار، وتوريثه، الواقع الذي تعبّر عنه المصادر بالقول “إذا رغب شخص باستثمار خيمة فهو لن يستطيع خرق الوضع القائم سوى بموافقة الجهات السياسيّة، أو بإقناع أحد المستثمرين باستئجار أو بيع خيمته”.

ترفض مديرة المحمية السابقة إبداء موقف بهذا الخصوص “كي لا يساء فهمه بعد أن تركت منصبي”، لكنها تؤكد أنه من الضروري أن تكون إدارة المحمية مستقلة وتملك الصلاحيات التي تخولها القيام بالإجراءات اللازمة لحماية المحمية، بتناغم مع الناس وبعيدا عن سيطرة البلدية المباشرة “من أجل مصلحة المحمية”.

ويدعم قانون المناطق المحمية الرقم 130/2019 ما تقوله مسيلب، حيث منح المحميات الطبيعية من خلال لجان إدارتها، الشخصية المعنوية والاستقلال المادي والإداري، ما يعني أنها باتت قادرة على منح الإستثمارات وحجبها وإدارة مختلف مرافقها باستقلالية تامة.

إضافة إلى عددها الذي ينبغي خفضه، تنتهك الخيم البحرية اليوم جملة من التوجيهات البيئية المنصوص عليها في عقد الاستثمار الذي اطلعت عليه المفكرة القانونية، وهي مخالفات تعرض سلامة أنواع مهددة بالانقراض في المحمية للخطر. يشرح رئيس جمعية الجنوبيون الخضر هشام يونس أنّ نوعية وشكل الإضاءة المستعملة ليلا في الخيم، وأصوات الصخب والموسيقى، والمفرقعات النارية، كلها عوامل تتسبب بتشتيت وإبعاد السلاحف البحرية عن الشاطئ، بما يحرم المحمية من أعشاشها الثمينة. وقد أدى هذا الواقع إلى انهيار عدد أعشاش السلاحف إلى ثلاثة فقط في محمية صور عام 2019، قبل أن يبدأ هذا الواقع بالتحسن بسبب الحجر الصحي الذي عاشته المنطقة مع العالم في فترة كورونا، وهو ما يؤكد سبب انهيار أعداد أعشاش السلاحف.

المخالفات والتعديات تضرب مختلف أقسام المحمية

لا تقتصر المخالفات على ممارسات الخيم البحرية وغضّ البلدية النظر عنها، بل تتعداها إلى مختلف الأقسام الأخرى. فإن كانت حدود المحمية قد تم إيقافها عند استراحة صور السياحية، المتعدية على الأملاك البحرية منذ ما قبل إعلان المحمية، فإن مهبط الطائرات العسكري الذي تديره استراحة صور مثلًا هو بالفعل يقع على أرض المحمية، فضلًا عن أن الاستراحة بحدّ ذاتها تقطع اتصال الشاطئ الرملي وتصادر الشاطئ والبحر أمامه، وقد كانت هدفا للتظاهرات الغاضبة في تشرين الثاني 2019.

كما وتدير البلدية بشكل مباشر حديقة صور التي تعتبر قانونًا ضمن عقارات المحمية، وقد اعتمدتها البلدية مركزًا لآلياتها، ثم جعلت من مساحات فيها مكبًا لنفايات صور واتحاد بلدياتها ومسرحًا لأعمال الحرق خلال السنوات العشرة الأخيرة. ولا تبدو المنطقة الزراعية بمنأى عن المخالفات، حيث أدّى التسميد الأزوتي غير المنضبط عام 2019 أيضًا إلى تسميم مياه برك رأس العين التي تتغذّى منها منطقة صور بأكملها، مع تخطّي نسبة النيتريت فيها المعايير المسموح بها، الأمر الذي تمّت معالجته حينها، بحسب مصادر في إدارة المحمية، فيما تغيب الدراسات التي تخبرنا أين أصبحت الزراعات العضوية التي كان مخططا لها في هذا القسم.

عامل الثقة بين المجتمع المدني والبلدية

يقول الناشط في حراك صور مهدي كريّم إنّ شاطئ صور هي المساحة الشاطئية المجانيّة الأكبر في لبنان، والحفاظ عليها هو الحفاظ على آخر ما تبقى من قدرة الناس على الوصول الحرّ إلى الشاطئ، معتبرا أن إقفال الشاطئ ومنع الرواد من الجلوس في الشاطئ المخصص للخيم لا يمكن أن يمر: “فالسلطة القائمة في صور والتي هي جزء من السلطة السياسية القائمة في البلاد لا ثقة بمشاريعها لإدارة الأملاك العامة، بسبب سلسلة من المشاريع السيئة محليا ووطنيا”. ورئيس البلدية في صور هو المسؤول التنظيمي لحركة أمل في المدينة، أمر يجعل الخلفية السياسية حاضرة بقوة في نقاش أي مشروع تنفذه البلدية.

ونجحت حملة اعتراضية واسعة في آب 2018 بتجميد مشروع توسعة الكورنيش الجنوبي لمدينة صور، والذي كان يتطلب ردم البحر في الموقع الذي يشكل امتدادا طبيعيا للمحمية من أجل إنشاء مسار للدراجات الهوائية، كما أوقفت الغضبة الشعبية عام 2020 مشروعا سياحيا أرادت البلدية تنفيذه في منطقة الجمل، كان ليدمر الموقع السياحي والميناء الأثري ويقضم الشاطئ ليتعدى على البحر.

يقول الناشط الصوريّ “أن الحراك المدني في صور لم يصعّد حتى اللحظة فيما يخص الإجراءات المتخذة حديثا في المحمية بسبب تجميد المشروع بعد تدخل الوزارات المعنية، وتعويلنا على أن تتراجع القوى السياسية الداعمة للبلدية عنه، لكن إذا استكمل فسيكون هناك رد حاسم منا”.

من أجل إعادة نظر شاملة بإدارة المحمية وتقسيمها

يشير رئيس جمعية الجنوبيون الخضر هشام يونس إلى أن التقسيم الحالي للشاطئ لم يخضع للمراجعة منذ إنشاء المحمية، “ويُفهم من توجهات البلدية أن القسم العلمي هو القسم الخاص بالتنوع البيولوجي الذي يجب حمايته، بينما، في الحقيقة، المحمية بأكملها يجب أن تحمي التنوع البيولوجي بمختلف أقسامها السياحية والعلمية والزراعية”، مؤكدا أن إقفال شاطئ القسم العلمي أمام الرواد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وجوب توفير شاطئ عام مفتوح للعموم مع إمكانية الوصول إليه من دون أي قيد مالي أو غيره، بما يكفل تحقيق مبدأ عمومية الشاطئ.

 

بدورها تؤكد رئيسة الجمعية الدولية لحماية صور أن تخفيض عدد الخيم إلى 25 مثلا مع قيام البلدية بما يلزم لتمكين الناس من الاستفادة القصوى من الشاطئ من حدود استراحة صور حاليا وصولًا إلى نهاية القسم السياحي، هو أمر مطلوب لكفالة حق الناس بالوصول إلى الشاطئ بحرية، مشددة على أن أي حماية للمنطقة العلمية يجب أن تتم وفق معايير بيئية وجمالية ومن خلال حواجز صديقة للبيئة قد يشكل القصب والخشب أفضل المواد لإنشائها، مع ضرورة أن لا يتعدى ارتفاعها المتر الواحد وأن تسمح بحركة الأنواع على الشاطئ، مع بقائه متاحا لزيارة الراغبين ضمن مسارات محددة وبشكل منظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى