عون: جاهز للتعاون مع ميقاتي وبالحوار نعالج اكبر مشكلة
يسارع عون الى الردّ بالمثل: «وانا كان لي، مع جبران باسيل، الفضل الأكبر في إنقاذه عندما كان في خطر، وهذه اهم بكثير من اي شيء آخر. لقد قدت أوسع تحرّك ديبلوماسي لإعادته الى لبنان، وجبران جال على العالم ووصل الليل بالنهار لمساعدته. واكرّر انني أدّيت واجبي لا أكثر ولا أقل، ولست في صدد «تربيح الجميلة»، لكن هذا لا يمنع انني فوجئت بموقف سعد بعدما عاملته صادقاً كواحد من أبنائي، ومع ذلك اتصلت به وعايدته لمناسبة عيد الأضحى المبارك، لأنني افصل العلاقات الاجتماعية عن الخلافات السياسية».
«القوات» وجبران
– وهل تعترف بمساهمة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في انتخابك رئيساً للجمهورية؟
يجيب عون: «الأمر ليس على هذا النحو. لقد جرى حوار بين حزبين انتهى الى تفاهم معين. إنما، وقبل ان يجفّ حبر هذا التفاهم، بدأ نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني آنذاك في مهاجمة جبران وظلمه، زاعماً انه قبض 10 ملايين دولار من النفط، وكرّت بعد ذلك سبحة مناكفات وزراء «القوات» في الحكومة لعرقلة مشاريعنا، ثم أبلغوا الى التيار أنهم سيخوضون الانتخابات النيابية بمعزل عنه بعدما كان هناك اتفاق على خوضها معاً. لقد خالفت «القوات» اتفاق معراب منذ نعومة اظافره ولم تُبق منه شيئاً».
التجني والتزوير
– بمعزل عن ظروف انتخابك، هناك اقتناع عند بعض اللبنانيين بأنّ عهدك هو عهد الانهيار ويحمّلونك المسؤولية المباشرة عن وقوعه. ما رأيك؟
«هذا ظلم كبير جداً لأنه يجافي الوقائع والحقائق»، يرد عون بامتعاض، مشدداً على انّ بذور الانهيار زُرعت عام 1990، «وقد حذّرتُ تباعاً منذ ذلك الحين من حدوثه، وليس أدلّ على ذلك من مواقفي التنبيهية في مقابلة مع الاعلامية ماغي فرح عام 1998. كذلك كنت اول من طالبَ عام 2009 بإجراء تدقيق جنائي لضبط مكامن الهدر والفساد ومحاسبة المرتكبين، وتكتل التغيير والإصلاح كان من أكثر الكتل إنتاجاً لاقتراحات القوانين الاصلاحية، لكنّ الكثير منها وُضغ في ادراج مجلس النواب». ويضيف: «الجانب الآخر من الاجحاف في حق العهد يتعلق بتجاهل حقيقة انّ صلاحيات رئيس الجمهورية هي محدودة وانني كنت مكبّلاً في كثير من الأحيان، بينما السلطة العملية تتركز في مجلس الوزراء الذي يأتي رئيسه نتاج استشارات إلزامية تُفرض حصيلتها على رئيس الجمهورية، ويأتي وزراؤه بفِعل تفاهمات مع الكتل وثقة النواب. لذا، فإنّ إلقاء تبعات الانهيار على رئيس الجمهورية هو تجنّ عليه وتجهيل للفاعل الأساسي
ولكن هناك شريحة من السياسيين والمواطنين تعتبر انك أخذت البلد الى جهنم كما لوّحتَ من قبل، بدل ان تأخذه الى جنان الإصلاح والتغيير. ما رسالتك لهذه الشريحة؟
يجيب عون بنبرة مرتفعة: «ألسنا في جهنم الآن؟ ماذا تسمي انقطاع الدواء والكهرباء والمحروقات والمياه وايضاً عدم الشعور بالمسؤولية لدى البعض؟ اذا كنت قد امتلكتُ شجاعة التوصيف لكي أضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأدفعهم الى الترفع عن انانياتهم لتسهيل الحلول وتفادي الأسوأ، فهذا لا يعني انني شخصياً من أوصَلت لبنان الى هذا الوضع وان الذين تعاقبوا على السلطة منذ عام 1990 هم أبرياء. هذه قمة التزوير للحقائق وأقصى الاعتداء المعنوي عليّ».
العلاقة مع بري
– وماذا عن العلاقة بينك وبين الرئيس نبيه بري. ما سبب توترها أخيراً؟
يحرص عون على التأكيد ان «ليس هناك عدائية مع بري وإنما يوجد تزاحم، لكن هناك من يدخل احياناً على الخط من خارج السياق للتشويش، وانا اتصلتُ به أيضاً لمعايدته بالاضحى وكان الاتصال وديّاً ولم يخل من الضحكات المتبادلة».
بداية الإنفراج
وعلى رغم الواقع القاتم، لا يفقد عون الأمل في مباشرة الخروج من النفق خلال المدة المتبقية من ولايته، مشيراً الى انّ الإنفراج النسبي والمتدرّج سيبدأ مع تأليف الحكومة الجديدة التي ستستأنف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، متوقّعاً حصول انخفاض في سعر الدولار بمجرد ولادة الحكومة التي يُبدي إصراراً على إنجازها في اقصر وقت ممكن بعد تسمية الرئيس المكلف. كذلك، يؤكد حرصه على إطلاق عدد من المشاريع النهضوية في الفترة الفاصلة عن نهاية الولاية.
إرفعوا الحصانات
وعلى مسافة ايام من ذكرى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب، يكشف عون انه سيتوجه الى اللبنانيين بكلمة وجدانية للمناسبة. ويوضح انه يؤيّد رفع الحصانات وإعطاء الأذن بملاحقة من ادّعى عليهم المحقق العدلي القاضي فادي البيطار، داعياً المشمولين بالاستدعاءات الى المثول أمامه، «علماً انني واثق من أنّ بعضهم بريء، ولكن عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ويثبتوا براءتهم امام القضاء وفق الاصول».
ويلفت عون الى انه يعارض العريضة النيابية التي تم تحضيرها للمطالبة بإحالة النواب من الوزراء السابقين المتهمين الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مشيراً الى انّ آلية منح الاذن بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا يجب ان تسلك مجراها الطبيعي عبر المجلس الأعلى للدفاع.
وكشفَ انه، وبعدما وُزِّعت على المتضررين من انفجار المرفأ موازنة الـ 100 مليار ليرة التي يحق لرئاسة الجمهورية التصرّف بها في الأوضاع الاستثنائية عن عام 2020، طلبتُ أيضاً توزيع مبلغ الـ100 مليار عن عام 2021 على المتضررين بدءاً من الأشد فقرا، موضحاً انه صُرف من المبلغ حتى الآن 50 مليار والـ50 الأخرى هي قيد الصرف.
ويؤكد عون انّ ما يهمه، على رغم كل الحملات ضده، هو أنه متصالح مع نفسه، مشددا على أن اهم انجاز حققه خلال عهده يتمثّل في توجيه ضربات قاسية الى الفساد، تمهيداً لاقتلاعه، «ومَن يوجّه إليّ الإتهامات حالياً سيندم عليها لاحقاً عندما تظهر له الصورة بكل زواياها وتزول عنه الغشاوة».
مَصدر قوّتي
ويتابع عون بتأثر: «هل تريد أن تعلم من اين أستمِدّ قوّتي؟ من عقدٍ أبرَمته مع الشهداء الذين سقطوا معي في هذه المسيرة الحافلة (ادمعت عيناه). وبموجب هذا العقد أحمي الحقوق والدستور واكتسب القدرة على الصمود وشجاعة المواجهة حتى النهاية من دون أن أخشى احتمال الخسارة. نعم قد أخسر احياناً لكنني اكون على الاقل قد نلتُ شرف المحاولة. أما من لا يحاول خوفاً من الخسارة فهو يكون الفاشل. أنا لن أيأس وسأواصل السعي الى الانتصار في الحرب على الفساد الذي ظلّ يَنخر جسم الدولة حتى تَسبّب في تداعيه وانهياره. حتى الآن فزنا في اكثر من معركة والأهمّ أن نربح الحرب، وهذا يحتاج إلى ارادة وإصرار أملكهما».
يضيف عون وهو ينظر إلى خارج الغرفة عبر الجدار الزجاحي: «عام 1990 كانت الدبابات تهاجمني على الأرض والطائرات تغير عليّ من فوق، ولم أتراجع عن اقتناعاتي. ولولا انّ السفير الفرنسي آنذاك ألَحّ على ان انتقل الى السفارة الفرنسية لترتيب وقف إطلاق النار ما كنتُ لأغادر القصر. وأنا سأبوح لك بأمر، وهو انني كنتُ أفضّل ان أظل أقاتل حتى أقع شهيداً او أسيراً، الّا انّ التطورات تدحرجت في الاتجاه المعروف.
ينطلق عون في كلامه من الواقع الاجتماعي والاقتصادي السيئ، مشيراً الى انّ هموم الناس تطغى على اهتماماته في هذه الأيام الصعبة، خصوصاً وسط تقصير حكومة تصريف الأعمال في تأدية واجباتها.
وحين يُقال له انّ البعض يأخذ عليه مصادرته لصلاحيات الحكومة ورئيسها، وتعمّده تضخيم دور المجلس الأعلى للدفاع على حسابهما، يجيب: «انا أملأ فراغاً ناتجاً من السلوك المتقاعس لحكومة تصريف الأعمال، ومن التأخير في تشكيل حكومة اصيلة، وبالتالي لا أُحدِث صلاحيات جديدة لي أو لمجلس الدفاع الأعلى، بل اتحمّل مسؤولياتي، الّا اذا كان المطلوب ان أكتفي بالتفرّج على الأزمات من دون أن احرّك ساكناً».
ويعتبر عون انّ «في إمكان حكومة حسان دياب ان تفعل اكثر مما تفعله حالياً، من دون ان تخالف الدستور»، متسائلاً: «اذا كان انعقاد مجلس الوزراء متعذراً فما الذي يمنع على سبيل المثال عقد اجتماع وزاري موسّع، بوتيرة مكثفة، لمواكبة هموم الناس ومعالجتها بالمقدار الممكن؟».