دولي

صفعة أخرى تلقاها ولي عهد أبوظبي : ابن سلمان يتقرّب من “السلطان”… الزعل الإماراتي يتعمّق

صفعة أخرى تلقّاها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، من نظيره السعودي وشريكه السابق، محمد بن سلمان. هذه المرّة، على شكل تقارب مع سلطنة عُمان، التي يسود بينها وبين الإمارات توتّر كبير، يعود في جذوره إلى أطماع إماراتية في أراضي السلطنة. وتيرة التحرّك السعودي ضدّ الإمارات تشي بأن المعركة ستكون قاسية على ابن زايد، الذي يبقى رهانه الأساسي النجاح في إضعاف ابن سلمان مثلما ساهم في صعوده. فهل سيتمكّن من ذلك؟

عندما لاحظ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن سلطان عُمان، هيثم بن طارق، لا يضع كمّامة على وجهه لدى نزوله من الطائرة في مطار خليج نيوم، في بداية زيارته للسعودية التي افتَتح رحلاته الخارجية بها بوصفه سُلطاناً، قام هو بنزع كمامته، احتراماً للضيف. تلك كانت إشارة واحدة فقط من إشارات الحفاوة الاستثنائية التي استَقبل بها ابن سلمان ضيفه، بمعيّة أبيه الملك، في أوّل استقبال رسمي يشارك فيه الأخير منذ بدء جائحة “كورونا”.

حفاوةُ لا بدّ أن وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، راقب تفاصيلها جيداً، خصوصاً أنه لم يكد أسبوعان يمضيان على اتّخاذ ابن سلمان نفسه قراراً بمنع الإماراتيين من زيارة بلاده، بحجّة انتشار فيروس كورونا في الإمارات، في ما مَثّل افتتاحاً لسلسلة من الإجراءات “العقابية” ضدّ الأخيرة. بكلّ المقاييس، يمثّل التقارب السعودي – العُماني الذي تُكرّسه زيارة السلطان، صفعة قوية لابن زايد الذي صار يستشعر خطراً كبيراً من تصرّفات شريكه السابق. صفعةٌ يُكسبها مغزىً إضافياً بروزها في نيوم التي يريد لها ابن سلمان أن تأخذ دور دبي، وهو ما لم تَفُت السلطان هيثم الإشارة إليه، عندما كتب في سجل الضيوف أنه ستكون لهذه المدينة “مكانة اقتصادية على مستوى العالم”. وفي بُعد رمزي إضافي، تزامن ذلك مع انتهاء تنفيذ طريق “الربع الخالي” بطول 680 كيلومتراً، ليتمّ بهذا تجاوز الإمارات، التي كانت الزيارات المتبادلة بين السعوديين والعُمانيين، تمرّ حكماً عبرها. ويفتح ابن سلمان، بتحسين العلاقات التي شابتها علل كثيرة في السنوات الماضية مع السلطنة، طريقاً آخر يشكّل بديلاً للطرق المغلقة حديثاً مع الإماراتيين.

وفي مقابل حاجة العُمانيين إلى المال والاستثمار السعوديَّين نتيجة ضعف اقتصادهم، ورغبتهم في الاستفادة من جاذبية بلدهم السياحية بتسويقها لدى الشعب الجار، سيسعى السعوديون للاستفادة من العلاقة المباشرة الطيّبة بين سلطنة عُمان، وحركة “أنصار الله” في اليمن، في طلب الوساطة المباشرة أو في استضافة الوسطاء الدوليين، علماً أن العُمانيين أظهروا خلال سنوات العدوان السعودي على اليمن، قدرة على إدارة العلاقة بطرفَي النزاع، وبإيران، بشكل لا يؤثّر على جيرتهم مع اليمنيين، الذين استفادوا من دون شكّ من علاقتهم بالسلطنة في تخفيف بعض آثار الحصار. في المقابل، يلعب ابن زايد لعبة التحريض ضدّ البلدين معاً، في المناطق التي يمتلك نفوذاً فيها في اليمن. فعل ذلك أولاً ضدّ السلطنة من خلال نشر القوات الإماراتية في محافظة المهرة اليمنية التي تَعتبرها مسقط بوّابتها الغربية، وتربطها علاقات واسعة مع سكّانها، ساعياً إلى تخريب تلك العلاقة. ثمّ أطلق الميليشيات الموالية لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، لتقاتل قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، الهشّة أصلاً، بهدف تقليص نفوذ الرياض، علماً أن ولي عهد أبو ظبي ساهم في توريط نظيره السعودي في الحرب، ثمّ أعلن انسحابه منها وتركه وحيداً. وإذ سينعكس تقاتُل الشريكَين السابقَين في العدوان إضعافاً لهما معاً، بما قد يقرّب أجل اندحارهما، إلّا أن من شأنه تعميق خطورة الجريمة المتمادية التي يمعن الرجلان في ارتكابها ضدّ الشعب اليمني. على أن المصدر الرئيس لقلق ابن زايد هو الشعور بأن ابن سلمان لديه مشاريع يريد أن ينافس الإمارات من خلالها، أو يحلّ محلّها، من الترفيه إلى الإعلام إلى إقامة مركز تجاري عالمي، خصوصاً أن ولي العهد السعودي اتّخذ إجراءات على هذا الطريق، أهمّها وقف التعامل مع أيّ شركة أجنبية لا تقيم مركزها الرئيس في السعودية، مستهدفاً أحد الأدوار الرئيسة لدبي.

هل سيتراجع ابن زايد؟ لا يبدو ذلك. فهو سيسعى إلى إفهام نظيره السعودي أن ثمن الاختلاف معه سيكون مرتفعاً، وأن اعتماده على الإمارات كان كبيراً بحيث إنه يخاطر بسقوطه إذا تخلّى عنها، وأن السعودية أضعف من أن تُهدّد الإمارات، على رغم أنها دولة كبيرة، وفي ذهنه مثال قطر التي خسرت الرياض أمامها، مع أنها كانت مدعومة من الإمارات ومصر والبحرين. يمكن أن يذهب ابن زايد إلى أبعد مما تَقدّم في مسعاه لإعادة ابن سلمان إلى الحظيرة. إذ سيسوّق نفسه عند الأميركيين، حتماً، كلاعب أساسي في خفض أسعار النفط عن المستويات المرتفعة التي وصلت إليها أخيراً، وهي نقطة خلاف رئيسة ظهرت مع تفجّر الأزمة بين البلدين، بعد محاولة الإمارات التملّص من الالتزام بحصّتها الإنتاجية في “أوبك”.

كما لن ينسى استدعاء “الصديقة” إسرائيل لتساعده في مهمّته تلك، وربّما يصل به الأمر، بحسب ما يتوقّعه معارضون سعوديون، إلى إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية في الإمارات. أمّا التوتّر بين مسقط وأبو ظبي، فقديم، وسببه الرئيس أطماع إماراتية في أراضي السلطنة، وخاصة في محافظتَي مسندم والبريمي، على رغم توقيع اتفاقية حدودية في عام 1999 بين زايد بن سلطان وقابوس بن سعيد، وعلى رغم أن دولة الإمارات لم تكن حتى مطلع السبعينيات سوى مجموعة من الإمارات المتناحرة التي لا يتوقّف القتال بينها سوى في موسم صيد اللؤلؤ، وبرعاية بريطانية. ولطالما مارس ابن زايد عنجهيته على العُمانيين، مستقوياً بعلاقته بالأجنبي، ما أثار استياءً شعبياً في السلطنة. وتنوّعت استفزازاته ما بين عرض “متحف اللوفر الإماراتي” خريطة تُظهر محافظة مسندم باعتبارها أرضاً تابعة لدولة الإمارات، وقتْل مواطن عماني قبل عام لأنه عبَر السياج الحدودي مع بلاده، علماً أن الإماراتيين يتجاوزون الحدود باستمرار ولا تُطلَق عليهم النيران، وتجنيد خلايا تجسّسية داخل السلطنة آخرها خلية من 20 شخصاً ضبطتها السلطات العُمانية تراقب مواقع حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى