مقالات رأي

انسحاب أم توسيع للنفوذ ؟ أميركا تعيد نشر الإرهاب في وسط آسيا

د. زكريا حمودان
مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء

يراقب العالم قرار الرئيس الأميركي (بايدن) بعد الإعلان عن الانسحاب من أفغانستان في ١١سبتمبر المقبل. في حين يسأل البعض لماذا هذا التوقيت تحديدًا؟
وماذا حققت الولايات المتحدة الامريكية بعد عقدين من الزمن؟
هل أنهت المهمة التي اعلنتها وهي محاربة الإرهاب أم هناك مهام جديدة ومآرب اخرى؟
والتساؤل الأهم هو ما ورائيات قرار الانسحاب وهل تنسحب حقًا؟
أم هناك خطة استراتيجية تهدف الولايات المتحدة الامريكية بها الى توسيع نفوذها في شرق آسيا ووسطها ؟
كل هذه التساؤلات هي علامات استفهام حول هذا القرار “الغامض والخطير” في آن معًا، فكيف لأمريكا والحلف الاطلسي الانسحاب في وقت تتوسع فيه عمليات طالبان على الأرض وتسيطر كل يوم على مواقع جديدة، وهذا باعترافهم هم ويترتب عليه أحداث أمنية خطرة من فراغ أمني وزعزعة الاستقرار في المنطقة والمناطق المجاورة لأفغانستان.
ومن سيدعم الحكومة في كابول في حال الانسحاب وخاصة مع قرب موعد الانتخابات، واعتماد الحكومة على دعم امريكا والحلف الأطلسي، على ما يبدو أن النوايا الامريكية غير معلنة بعد، فهي تريد الانسحاب من أفغانستان ولكن لا تريد الانسحاب من أسيا الوسطى، بل تسعى الى تعزيز سياسة الانتشار لوحداتها العسكرية وزيادة قواعدها الجوية وذلك لإضعاف روسيا التي سعت طويلاً عبر التاريخ الى التهدئة والتسوية في اسيا الوسطى.
يبدو أن رغبة واشنطن هي تقليص دور موسكو في تسوية الصراع في أفغانستان عبر سياسة الاحتواء مع دول الجوار الأفغاني، ولكن هل تقبل الدول المجاورة التي تخطط لها إدارة بايدن وهي (طاجيكستان وكازاخستان واوزبكستان) بوضع قواعد عسكرية أمريكية، وهي في اتفاق مع روسيا ضمن معاهدة الأمن الجماعي المشترك ؟! على ما يبدو سيكون هذا الأمر عقبة امام البيت الابيض .
يبدو الخيار الآخر هو إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في قطر يمكن من خلالها تنفيذ العمليات في أفغانستان، ولكن في الوقت نفسه يكون الأمر صعبًا بل عقبة خارج النطاق عند تنفيذ العمليات الخاصة .
ان أنظار الأمريكيين الى الجوار الافغاني هو الأكثر ملاءمة ومحط إهتمام، مثلًا باكستان في السابق استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية قواعد على أراضيها لتنفيذ العمليات في أفغانستان بحكم الجوار، ولكن صرحت وزارة الخارجية الباكستانية بأنه لن يسمح بإعادة استخدام تلك القواعد السابقة .
يبقى امام الامركان فتح علاقة مع طاجيكستان واوزبكستان من أجل تثبيت نفسها، لكن هذا السيناريو قد لا ينجح معهم بسبب رفض الدول تلك السماح بإنشاء قواعد عسكرية امريكية على أرضها، ويخالف المعاهدات الموقعة مع روسيا، وقد صرح مسؤول في وزارة الدفاع في طشقند أنه لن يسمح باستضافة قوات أجنبية لسببين: الاول هو ان هذا الامر يتعارض مع عقيدة الدفاع والثاني هو مخالفته لمبدأ المشاركة في النزاعات الخارجية.
تبدو خيارات واشنطن محدودة خاصة أن الدول المجاورة لأفغانستان موقعة على معاهدة الأمن الجماعي مع روسيا وهذا سيعرقل مخططاتها التوسعية، كما هددت حركة طالبان كل الدول التي سوف تسمح بإنشاء قواعد عسكرية امريكية على اراضيها.
وهنا يعود بنا التساؤل لماذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى توسيع نطاق نفوذها في دول آسيا الوسطى وتتجاهل المبادرة الروسية خاصة المخرجات الايجابية للمؤتمر الذي عقد في موسكو بمشاركة ممثلين عن كابول وقادة طالبان ؟
كما ذهبت واشنطن متجاهلة الدور الروسي في تسوية الصراع عبر اطلاق تصريحات غير صحيحة بالقول ان موسكو تساعد طالبان دون وجود اي وثائق وأدلة ومواد تدعم هذه الاتهامات .
وهنا تساؤل آخر، ألم تكن الولايات المتحدة الامريكية هي الحاضنة الرئيسية لطالبان أيامٌ الاتحاد السوفيتي، وفيما بعد انقلبت عليها واليوم على ما يبدو عادت لها.
إن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية من الانسحاب هو تحميل المسؤولية الكاملة لروسيا في مكافحة الإرهاب عبر استنزافها كون أن أفغانستان تاريخيا كانت مقبرة الإمبراطوريات منذ عهد الرومان، بعدما ادركت أن العقلية العقدية لطالبان مطلقة ولا ينفع معها العمليات النسبية كونها ثابتة النهج .
كما يتمثل الهدف الآخر في أشغال روسيا بطالبان ومنعها من التقارب مع الصين وهذا الأمر تراقبه الاستخبارات الاميركية جيداً .
فالتقارب بيم موسكو وبكين لكن يكون من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بل سيشعرها بالقلق خاصة مع مشاكلها في البيت الداخلي وفشلها في الشرق الأوسط وخاصة دول الربيع العربي التي أفقرت شعوبها ودمرتها بسياساتها الاستنزافية.
وعلى ما يبدو أن واشنطن لديها خطة جيوسياسية من عملية الانسحاب تشبه الى حدٍ ما فترة الحرب الباردة وعلى خطى الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر يسير بايدن بنصيحته وهي “يجب أن تبقى روسيا منفصلة عن الصين”، فالامريكان يدركون جيدًا التقارب السريع بين الصين وروسيا .
وعليه يكون السيناريو الافغاني كالتالي، الانسحاب العسكري الاميركي من افغانستان تقوية او اعادة احياء طالبان كقوة على الأرض ومن ثم إرغام الدول الموقعة على المعاهدة الأمن الجماعي مع روسيا الى السماح للولايات المتحدة الأميركية من إنشاء قواعد عسكرية امريكية على اراضيها مع تخفيض أعداد الجنود تحت التذرع بأولويات أميركا الداخلية، في حين تعمل الإدارة الاميركية على توريط روسيا مع طالبان من خلال احياء ضغائن الماضي، وكذلك منع اي تقارب بين موسكو وبكين والوقيعة بهما على الأرض الأفغانية وإثارة المخاوف بين الدولتين بأتباع سياسة فرق تسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى