مقالات رأي

نقابة المهندسين “تثأر” من أحزاب السلطة!

جاء في “الأخبار”:

حصل ما كان متوقعاً. فازت لائحة «النقابة تنتفض» بكامل أعضائها في انتخابات نقابة المهندسين. حملة الشائعات المذهبية التي شُنّت على عارف ياسين لم تأتِ بنتيجة، ووصل الرجل إلى منصب النقيب بأكثريّة ساحقة تمثّلت بـ5798 صوتاً مقابل 1528 لمرشح تيار المستقبل باسم العويني و1289 للمرشح المستقل عبدو سكرية. وعليه، خسر «المستقبل» كلّ شيء في النقابة. التيار الذي كان منذ سنوات قليلة يرشّح النقيب مع عدد من الأعضاء لمجلس النقابة، لم يعد لديه مقعد واحد داخل المجلس. لا بل أنه كان عاجزاً عن حشد ناخبيه. تمسّكه بباسم العويني دفع بمعظم الأحزاب إلى الانسحاب من المعركة لـ«تنفذ بريشها» من الخسارة المحتمة.

لم تكن انتخابات نقابة المهندسين مؤشراً للمزاج العام فحسب، بل كانت أشبه برد الثأر لمنظومةٍ أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.

لم ينتظر تيار المستقبل حتى تُفتح صناديق الاقتراع داخل نقابة المهندسين أمس، بل بدأ حملة الشائعات باكراً. بحث كثيراً عن تهمٍ يُمكن إلصاقها بمرشّح ائتلاف «النقابة تنتفض» إلى مركز النقيب عارف ياسين، فلم يجد. الرّجل ليس فاسداً وغير محسوب على طرف باستثناء أنه كان عضواً في الحزب الشيوعي. هكذا حوّل «المستقبل»، ومعه حزب «القوات اللبنانية»، الانتماء أو حتى القرب من «الشيوعي» إلى «تهمة» تم تسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ربّما أقنعت هذه «التهمة» البعض، لكنّها لم تكن كافية، إذ إن ياسين غير منظّم في الحزب. لذلك، عاد «التيار الأزرق»، كعادته، إلى قاموسه حينما يُحشر: التحريض الطائفي. بدأ الحديث قبل يومين من الاستحقاق بأن ياسين شيعي، وأن الطائفة الشيعيّة تريد الاستئثار بالنقابة، مشيعة بأن مركز النقيب هو حصراً للسنّة، وللبيارتة على وجه الخصوص. وسارعت بعض الصفحات إلى نشر إخراج القيد الخاص بياسين الذي شطب عنه مذهبه. علماً أنّ الثنائي الشيعي كان قد أخذ موافقة «المستقبل» منذ عامين بأن يكون النقيب في الدورة الحالية من الطائفة الشيعية قبل أن ينسحب مرشحو «حزب الله» و»أمل» خوفاً من اللعب على الوتر الطائفي بعد إصرار سعد الحريري بأن يكون النقيب من تيّاره.

شائعات كثيرة تم تداولها بالأمس. مرةً بأن صناديق الاقتراع أقفلت قبل موعدها بساعةٍ ونصف ساعة. وأخرى بأنّ ياسين وجميع مرشحي «النقابة تنتفض» انسحبوا من المعركة. مع ذلك، لم تفلح الشائعات، ومعها التحريض المذهبي، في تغيير المزاج العام: فاز ياسين بمنصب نقيب المهندسين ولائحة «النقابة تنتفض» بأكثرية 67 في المئة وبكامل أعضائها: 6 إلى الهيئة العامة، 3 من الفروع الثلاثة لعضوية مجلس النقابة، 1 لعضوية الصندوق التقاعدي، 2 لعضوية لجنة مراقبة الصندوق التقاعدي.

أما تحالف المستقبل – أمل، ففاز بعضو واحد لمجلس النقابة (محسوب على أمل) وهو المركز الذي تركته «النقابة تنتفض» شاغراً بعد فوز الأحزاب بالمقاعد الـ5 في الفرع السادس خلال المرحلة الأولى، إضافة إلى مقعد في لجنة مراقبة الصندوق التقاعدي الذي تركته «النقابة تنتفض» فارغاً هو الآخر.

في المحصلة، لم يكن فوز ائتلاف «النقابة تنتفض» أمس خارج السياق العام، بل كان صدى لغضب كبير موجود في الشارع عموماً، ولدى الطبقة الوسطى ضد الأحزاب التي أوصلت البلد إلى هذه الأزمة المعيشية، وردّ فعل طبيعيّاً لمعاناة الناس أمام محطات الوقود والصيدليات والمصارف والمحال التجاريّة.

ليس كلّ من صوّت لصالح لائحة الائتلاف يعرف مشروعه ومرشحيه أو حتّى ما تعاني منه النقابة. انتصار «النقابة تنتفض» أمس بدا أقرب إلى الثأر من منظومة حزبية وشبكة مصالح تحكمت بالنقابة طوال عقود، ولها ما لها في الشارع أيضاً. أمس تمت معاقبة منظومة كاملة أغرقت البلد بالعتمة والفقر والذل والجوع. وهو القول بالفم الملآن لأحزاب السلطة: لم نعد نثق بخياراتكم.

نكسة الأحزاب تشير إلى أنّ سياساتها بقياس الناخبين بحسب طوائفهم لم تعد مجدية، فهؤلاء خرجوا بشكل واضح من العصبية سواء كانت طائفية أو مذهبية أو جهوية، حتى أن بعض من يعرف بقربه من أحزاب السلطة قرّر الذهاب نحو خيمة «النقابة تنتفض». هؤلاء يحبّون الأقوى، فيما الأحزاب هذه المرّة كانت هي الأضعف. عاجزة، بالحدّ الأدنى، عن الاتفاق على رأي واحد أو تشكيل لائحة موحدّة كما في كل استحقاق داخل النقابة.

مع فوز لائحة «النقابة تنتفض» بكامل مرشحيها، صارت تمتلك الأكثرية داخل مجلس نقابة المهندسين. النقيب و9 أعضاء من أصل 16. في حين تتمثّل الأحزاب بـ6 أعضاء: 5 من الدورة الماضية تنتهي ولايتهم خلال العامين المقبلين (2 للقوات، 1 للتيار الوطني، 1 لحزب الله و1 للجماعة الإسلامية)، إضافة إلى عضوٍ واحد محسوب على حركة أمل تم انتخابه أمس.

كان من المفترض أن يُشارك في عملية الاقتراع أكثر من 12 ألفاً، مقارنةً بالأعوام السابقة. إذ شارك في انتخابات النقيب الأخيرة أكثر من 12 ألف مقترع، وكانت نسبة الاقتراع في المرحلة الأولى منذ أسابيع كثيفة، إلا أنّ نسبة الاقتراع أمس كانت ضئيلة بمشاركة 8842 مهندساً.

يعزو البعض الأمر إلى الأزمة المعيشية، خصوصاً أن نسبة الاقتراع في الدورة الأولى كانت هي الاستثناء. فيما يلفت آخرون إلى أن انسحاب معظم مرشحي الأحزاب التي لم تعد تستطيع الحشد كما في السابق، هو السبب. في المقابل، هناك من يتحدث عن قلة الناخبين المسيحيين، علماً أن هؤلاء شكّلوا وللمرة الأولى الأكثرية في انتخابات المرحلة الأولى منذ أسابيع. ويقول هؤلاء إن ضآلة مشاركتهم تعود لكون المرشح إلى منصب النقيب هو من المسلمين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى