البحث عن بديل للحريري: ميقاتي يتقدّم؟
وصلت كل الجهود الرامية إلى الاتفاق على تأليف حكومة برئاسة سعد الحريري الى طريق مسدود. فيما بدأ الحديث الجدي عن التحضير لاعتذاره بشكل رسمي، شرط الاتفاق على الاسم البديل وشكل الحكومة المقبلة. وفي سياق البحث عن بدلاء، يبدو أن اسم الرئيس نجيب ميقاتي يتقدّم!
نفدت كل محاولات الدفع باتجاه حكومة يترأّسها سعد الحريري ويُشارِك فيها التيار الوطني الحر، ويرضى عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبدأت مساعٍ جديدة للبحث عن بديل، على قاعدة الاتفاق على «الاسم والحكومة، معاً، قبل أن يقدّم الحريري اعتذاره رسمياً عن عدم استكمال المهمة».
هذه هي خلاصة الروايات التي تحدّث عنها أكثر من مصدر مطّلع على أجواء ما بعدَ عودة الحريري من الخارِج، والتي تستنِد الى جملة معطيات، أوّلها استنزاف كل الجهود والمبادرات الداخلية لحلّ أزمة الحكومة، فيما الواقع الإقليمي والدولي لا يشي بحصول معجزة تؤمّن تجنيب لبنان كأس الانهيار الكامل. صحيح أن السعوديين، في محادثاتهم مع الأميركيين والفرنسيين في شأن الملف اللبناني، لم يقفلوا باب النقاش نهائياً، لكن أيّاً من الخيارات لم يتوضّح حتى الآن.
التطوّر الوحيد الملموس الذي حصل في الأيام الأخيرة، هو الزيارة التي قامَ بها الحريري أول من أمس إلى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعيداً من الإعلام بحضور النائب علي حسن خليل. مصادر مطّلعة على أجواء اللقاء قالت لـ«الأخبار» إن «النقاش الذي حصل لا يُبنى عليه. لكن الأكيد أن المساعي الرامية إلى تأليف حكومة برئاسة الحريري انتهت، وأن جهوداً أخرى انطلقت لوضع خريطة طريق ما بعد الاعتذار». فالحريري «أبلغ بري قراره بالاعتذار، لكن رئيس المجلس كانَ حاسماً لجهة أن هذا الأمر لن يحصل إلا بعدَ الاتفاق على سلّة متكاملة تشمل الاسم البديل منه وكل التشكيلة الحكومية، لأن اعتذاره دون ذلِك لا يعني الحل».
وفي وقت قالت فيه المصادر إنه «لا أسماء مطروحة حتى الساعة بشكل جدّي»، استغربت هذه المعادلة لأن «الحريري لن يغطي أي رئيس مكلف لا يأتي حاملاً الشروط ذاتها التي تمسّك بها هو، كما أن رئيس الجمهورية وفريقه، أي التيار الوطني الحر، لن يقبلا برئيس يأتي حاملاً لائحة مطالب حريرية، وهذا يعني أن اعتذار الحريري هو استمرار للدوران في الحلقة المفرغة».
غيرَ أن مصادر سياسية بارزة كشفت لـ«الأخبار» عن «حصول اتفاق أولي على تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة بعد اعتذار الرئيس المكلف»، ولذلك اجتمع الحريري ليل أول من أمس بالرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، من دون حضور ميقاتي الموجود خارج البلاد، وطرح عليهما فكرة «العمل على تسويق ميقاتي»، من دون إبلاغهما بوجود اتفاق مسبق مع أحد على ذلِك. وبينما قالت المصادر إن «ميقاتي رتّب الأمر مع الأميركيين والفرنسيين، وإن الجانبين أعطيا الضوء الأخضر للحريري من أجل السير به»، أشارت إلى أن «السنيورة كانَ مستاءً من الطرح، بينما كان سلام حذراً في إعطاء موقف نهائي، وحصل خلاف كبير مع الحريري في هذا الشأن». لكن مصادر أخرى لفتت إلى أن أي اتفاق على بديل للحريري لن يُبصر النور قريباً، وأن ما يجري حالياً هو تضييع للوقت لا أكثر، فيما الواقع أن حكومة الرئيس حسان دياب ستستمر بتصريف الأعمال لتُشرف على إجراء الانتخابات النيابية المقبلة!
وإلى أن تتبلوَر المناخات، وبينما تغرق البلاد بالانهيارات، دعا دياب العالم إلى إنقاذ لبنان. وفي لقاء مع عدد من السفراء، قال: «فيما نجتمع هنا، في شوارع لبنان طوابير السيارات تقف أمام محطات الوقود، وهناك من يفتش في الصيدليات عن حبة دواء وعن علبة حليب أطفال، أما في البيوت، فاللبنانيون يعيشون من دون كهرباء». وأضاف: «الصورة أصبحت واضحة، لبنان واللبنانيون على شفير الكارثة، لكن عندما يحصل الارتطام الكبير، سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان إلى المدى القريب والبعيد، في البر والبحر… لن يستطيع أحد عزل نفسه عن خطر انهيار لبنان»، مشيراً إلى «أنّنا قد سمعنا الكثير من الدعوات المتكررة عن ربط مساعدة لبنان بإجراء إصلاحات. نعم، لبنان يحتاج إلى إصلاحات مالية وإدارية. ولقد اتخذت الحكومة، قبل استقالتها، قرارات عديدة ووضعت خطة متكاملة للتعافي تتضمّن إصلاحات مالية واقتصادية».
وناشد دياب «الأشقاء والأصدقاء» أن «يقفوا إلى جانب اللبنانيين». ولأن «القاعدة الشرعية تقول لا تزر وازرة وزر أخرى»، دعا «إلى عدم محاسبة الشعب اللبناني على ارتكابات الفاسدين». واعتبر أن «ربط المعونة لبلاده بتشكيل حكومة جديدة أصبح خطورة على حياة اللبنانيين»، وأن «الحكومة لا يمكنها استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأن الصندوق يطالب بالتزامات قد لا تتبناها الحكومة المقبلة». وأضاف دياب إن «أياماً قليلة تفصل بين البلاد وحدوث انفجار مجتمعي».
وقد ردّت السفيرة الفرنسيّة آن غريو على دياب، معتبرة أن «الانهيار نتيجة متعمّدة لسوء الإدارة والتقاعس منذ سنوات وليس نتيجة حصار خارجي، بل جميعكم تتحمّلون المسؤولية». وانتقدت الاجتماع، متحدّثة عن أن فرنسا وغيرها من الدول المشاركة «لم تنتظر هذا النداء لمساعدة لبنان»، بل قدّمت عام 2020 نحو 100 مليون دولار من المساعدات المباشرة للشعب اللبناني.
وطالبت غريو دياب باتخاذ القرارات اللازمة لتخفيف معاناة اللبنانيين، كتفعيل قبول بعض القروض، وتحديداً تلك المقررة من البنك الدولي. وتحدّثت السفيرة الفرنسية عن أن بلادها تعمل «مع عدد من الشركاء لتنظيم مؤتمر ثالث لدعم اللبنانيين».
ويوم أمس، زار بيروت وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتقى الرؤساء: ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون، «في إطار مساعي قطر للمساعدة في حلحلة الأزمة السياسية في لبنان». وأبلغ آل ثاني قائد الجيش عن تقديم 70 طناً من الأغذية شهرياً إلى المؤسسة العسكرية لمدة عام. ويتهيّأ لبنان لزيارة جديدة، إذ سيصل السفير الفرنسي المكلف بتنسيق المساعدات الدولية للبنان بيار دوكان، إلى بيروت على رأس وفد اقتصادي فرنسي، وعلى جدول مواعيده لقاءات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين. زيارة دوكان تأتي تحضيراً لزيارة سيقوم بها وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستر. وتُعدّ زيارة دوكان، وبعده ريستر، «استطلاعية، إضافة إلى رغبة باريس في إظهار حضورها في مقابل ما يُحكى عن الحضور الروسي أو الصيني، والأهم، المشاريع الألمانية التي يُعلَن عنها، وخاصة لإعادة إعمار مرفأ بيروت».