دوروشيه يُحرّك ملف الترسيم و”الى قطر دُر”.. لا موعد جديداً للمفاوضات!
يتحرّك الوسيط الأميركي لعملية التفاوض غير المباشر في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية السفير جون دوروشيه، مجدّداً في لبنان، كما في الأراضي الفلسطينية المحتلة للقاء “رئيس الحكومة الإسرائيلية” الجديد نفتالي بينيت و”وزير الطاقة” فيها… أمّا الهدف فهو استكشاف من أين يُمكن الإنطلاق مرّة ثانية في مسألة المفاوضات غير المباشرة والتي تجري في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، في ظلّ تسلّم “إسرائيليين” جدد الحكومة والوزارات المعنية.
وكانت توقّفت المفاوضات مرّة ثانية بعد الجولة السادسة التي عُقدت في 5 أيّار الفائت عند تمسّك الجانب اللبناني بالخط 29 مقابل تعنّت العدو الإسرائيلي ونيّته العودة الى “خط هوف” الذي أوصى بتقاسم المثلث المتنازع عليه (سابقاً) والمحدّد بالخطين 1 و23 بينه وبين لبنان، ما يُعطي “الإسرائيلي” بالتالي الذريعة “القانونية” لبدء استخراج الغاز من “حقل كاريش” الذي يدخل نصفه ضمن الخط 29، فيما يبعد عن منطقة النزاع السابقة.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت أنّ الوسيط الأميركي دوروشيه قام في لبنان بزيارات رسمية، لا سيما الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المعني المباشر بملف الترسيم، وأخرى غير رسمية شملت قائد الجيش العماد جوزف عون والوفد اللبناني المفاوض المعني للإطلاع على الموقف اللبناني. ويزور بالتالي العدو الإسرائيلي بعد تشكيل الحكومة الجديدة فيه برئاسة نفتالي للإطلاع على موقفها من مسألة استئناف المفاوضات غير المباشرة، وإن كانت المطامع الإسرائيلية لن تختلف، مع تغيّر الحكومة ووزير الطاقة فيها.
وقالت الاوساط بأنّ زيارة السفير دوروشيه الى لبنان هي خير دليل على اهتمام بلاده بملف الترسيم البحري، مشيرة الى أنّه سمع من المسؤولين اللبنانيين المعنيين أنّ لبنان يسعى الى استرجاع حقّه، ولكنّه يُبدي مرونة في التعاطي مع هذا الملف توصّلاً الى تفاهمٍ ما يحفظ الحقوق بالإستناد الى القوانين الدولية. ولهذا طالب الوسيط الأميركي بممارسة دوره في الدفع نحو مفاوضات عادلة ونزيهة ومن دون شروط مسبقة. كما أبلغه بجهوزية لبنان للعودة الى طاولة المفاوضات من دون أي تأخير، وبأنّه لا يُمكن بالتالي على العدو الإسرائيلي فرض وجهة نظر آحادية على مسار التفاوض.
ولفتت الاوساط الى أنّ “الإسرائيلي” يريد استكمال التفاوض الذي عقد بين 14 ت1 و11 ت2 الماضيين، ثمّ جرى تعليقه لأشهر بسبب عدم التوصّل الى أي اتفاق، ثمّ استؤنف مجدّداً في أيار الماضي وتوقّف مرة ثانية، بهدف الإستفادة قدر الإمكان من الثروة النفطية البحرية، سيما وأنّه يضع الخطط المستقبلية لتسويق النفط والغاز. ويودّ ترسيم الخط البحري سريعاً بينه وبين لبنان لمعرفة كمية الغاز والنفط التي سيحصل عليها في المنطقة الحدودية، غير أنّه لا يزال يتعنّت ويحاول الإستيلاء على جزء من هذه الثروة النفطية التابعة للبنان.
وعن تحديد موعد جديد لاستئناف المفاوضات أو استكمالها، ذكرت الأوساط نفسها بأنّ السفير دوروشيه يريد الإطلاع على موقف لبنان والعدو بعد “التغيير الإسرائيلي الحكومي”، وسيرى بعدها إذا كان سيُحدّد اي موعد جديد للمفاوضات. علماً بأنّه حتى الآن لا بوادر توحي باستكمالها قريباً، قبل التوصّل الى تقارب في وجهات النظر من الممكن أن يوصل الى تفاهم ما بين الجانبين.
ولفتت الاوساط الى أنّ العدو الإسرائيلي سيُحاول الإستفادة من عدم توقيع الحكومة اللبنانية على تعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة. هذا التعديل الذي من شأنه تحويل مساحة الـ 2290 التي تدخل ضمن الخط 29 الذي حدّدته قيادة الجيش ويُفاوض على أساسه الوفد اللبناني في عملية التفاوض غير المباشر الى “منطقة متنازع عليها”، بدلاً من المثلث السابق موضع النزاع والذي تبلغ مساحته نحو 860 كلم2. الأمر الذي قد يمنع بالتالي الشركات الدولية من العمل في هذه المساحة، مع العلم، بأنّ البعض يجد أنّ إمكانية وقف التنقيب في هذه المنطقة أمر غير محسوم، كونه موقف آحادي الجانب أيضاً، رغم أنّه مبني على خط قوي يستند الى الوثائق والأدلّة القانونية والتقنية ولا يُمكن دحضه. فقد لا تؤيّده الأمم المتحدة ولا يدعمه الوسيط الأميركي الذي سينحاز بطبيعة الحال الى العدو. كذلك قد يتذرّع «الإسرائيلي» بأنّه يُمكنه العمل في هذا الحقل، ما دام لبنان لم يعترض سابقاً على عمليات الإستكشاف التي بدأت فيه طوال السنوات السبع الماضية، فلماذا سيعترض اليوم بعد أن بدأت المفاوضات غير المباشرة للترسيم البحري بين الجانبين؟
وبرأي الاوساط نفسها، إنّ “الإسرائيلي” سيتمسّك باستكمال المفاوضات، وسيستعجل عودة لبنان الى طاولة المفاوضات حتى وإن كان لا تقدّم في إطارها حتى الآن، بهدف التوصّل الى ترسيم الخط البحري، ما يسمح لشركة “إنرجين” اليونانية من المجيء من سنغافورة وبدء عملها في استخراج الغاز من “حقل كاريش” في أواخر حزيران الجاري، على ما هو مقرّر، من دون حصول أي اعتراض من قبل الجانب اللبناني.
في الوقت نفسه، تقول الاوساط بأنّه بإمكان لبنان أيضاً الطلب من الشركات النفطية وبحماية دولية، لا سيما شركة “توتال” الفرنسية البدء بالتنقيب في المنطقة البحرية لا سيما في البلوك 9 وذلك ردّاً على الشروط والذرائع الإسرائيلية. غير أنّ “توتال” قد علّقت بدء عملها حتى آب من العام المقبل (2022) مستفيدة من أحد بنود العقد الذي وقّع معها. ويبدو أنّ الضغط الخارجي عليها قد فعل فعله، وليس مسألة التفاوض غير المباشر على ترسيم الخط البحري، في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تبدأ عملها في كانون الأول الماضي، ثمّ أرجأته الى شباط الفائت ولم تفِ بوعودها. علماً بأنّ بدء عمليات التنقيب في المنطقة البحرية اللبنانية من شأنه حماية حقوق لبنان ومصالحه فيها، كما أنّ استخراج الطاقة يُمثّل حلاً ضرورياً للأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية التي تعصف بلبنان. ولهذا لا بدّ وأن يضغط لبنان على شركة “توتال” تحت طائلة فسخ العقد معها.
وذكرت الأوساط عينها، بأنّ الإدارة الأميركية الجديدة قد عيّنت السفير دوروشيه في منصب القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية في الدوحة. وبهذه الصفة سيُمثّل حكومة الولايات المتحدة، ويقود السفارة في تعاملها مع دولة قطر حتى تعيين ووصول سفير جديد لبلاده. وهذا المنصب سيجعله غير متفرّغ في الأشهر القليلة المقبلة لملف الترسيم البحري وللتحرّك بين لبنان والعدو الإسرائيلي. ويطرح هذا الأمر إمكانية تعيين وسيط جديد للمفاوضات الذي انتظره لبنان بعد تسلّم بايدن مقاليد الحكم لا سيما إذا ما طال عمل دوروشيه في منصبه الجديد. وأكّدت بأنّ المعالم الجديدة للتعاطي الأميركي مع لبنان بدأت تبرز على الساحة الداخلية في عهد بايدن أكثر من سلفه الرئيس دونالد ترامب، آملة بأن تُترجم قريباً بشكل يصبّ في مصلحة لبنان، من دون أن يعني ذلك حصول أي تغيير جذري.