الانفلات الأمني يقترب والتحذيرات الداخلية والخارجية لم تجد آذانًا صاغية
كتبت جاكلين بولس أبو زيد في “السياسة”:
تراكم الطبقة السياسية الفشل في معالجة الأزمات التي تتساقط كمطر الإعصار على رؤوس اللبنانيين فيما هي منشغلة بتسجيل الأهداف بمرمى بعضها البعض غير آبهة بما بلغته الأمور المعيشية والاقتصادية، وما بدأ يخرج إلى العلن من مخاطر أمنية تنذر بسقوط الهيكل على رأس الجميع.
السقوط لن يستثني أحدًا وسيكون كبيرًا وخطيرًا تبعًا لأكثر من طرف داخلي أو خارجي، فالفقر يولّد “النقار” والنقار بدأ يظهر على محطات الوقود في غالبية المناطق، إما بسبب غالون بنزين للتوجه إلى العمل، وإما للتجارة في السوق السوداء التي علّمتها السلطة للمواطن، فبات “يُفَنْجِر” العين الوقحة بوجه القوى الأمنية وهو ما حصل على المصنع مطلع الأسبوع.
وقود التفجير جاهز
قد تكون الشرارة الأولى للانفجار الأمني من محطة بنزين أو عن باب مستشفى كما قد تكون بسبب “أوقية بن” وهي ربما من أتفه الأسباب لكن اللبناني “المحقون” سينفجر من مكان ما، وكل التقارير الغربية تنبئ بذلك، وتدعو المعنيين إلى التفاهم على حكومة إنقاذية تباشر الإصلاحات وتخرج لبنان من النفق المظلّم الذي دخله بفعل الكيدية السياسية وممارسات كسر العظم بين المؤتمنين على مصير الشعب، فإذا بعظم الشعب وحده يتكسّر ويبلغ مرحلة من العجز، وحدها تفسّر هذا الاستسلام المقيت لواقع لم نعشه من قبل.
هذا الواقع أحداثه ستدخل التاريخ كما الأحداث التي رافقت الحرب العالمية الأولى من فقر ومجاعة، ففي منطقة الزاهرية في طرابلس أقدم مجهولون على سرقة اللحوم من إحدى ملاحم المنطقة. ولأن الجوع كافر، لا يمكن تجريم صاحبه، إن كان المسؤول قد سرق وهدر المال الخاص والعام ولم يجرّمه قانون ولم تنل منه عدالة.
سرقة اللحمة لن تكون الأخيرة وقد سبقتها سرقة طيور الدجاج ورؤوس غنم وماعز
السرقات الكبيرة التي تسطو على المجوهرات والأموال المخبّأة في منازل بعض اللبنانيين هي للتجارة طبعًا، لكن السرقة الصغيرة هدفها سدّ جوع ولد حُرم من الطعام المغذي والضروري لنموه السليم.
الاحتجاجات في الشارع بدأت تتوسّع وإن كانت في غالبيتها محصورة حتى الساعة بشارع معين محسوب على الرئيس المكلّف سعد الحريري لتشكّل رافعة له وقوة ضغط لصالحه بوجه رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، المعارضين للمثالثة المقنّعة في الصيغة المطروحة في مسعى رئيس مجلس النواب، نبيه بري وأي احتكاك في الشارع أو شارع مقابل شارع قد يكون الفتيل الذي يشعل حربًا جديدة، فالنفوس محقونة بما يكفي والأرضية جاهزة ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يتأكد من ذلك، فعلى الرغم من أن الجوع والتدهور المعيشي يشمل الجميع، إلّا أن الكثير من المسيّسين يجد الحجج للدفاع عن زعيمه متخطّيًا كل ما يعيشه هو نفسه.
ضعف الجيش يعيد إحياء الميليشيات
مصادر أمنية حذّرت عبر موقع “السياسية” من أنّ أي ضعف يصيب الجيش قد يؤثر على قدرته العملانية، فتعود المظاهر الميليشياوية من خلال الأمن الذاتي كما يمكن أن يتسلل الإرهاب مجددًا، فمعركة فجر الجرود قضت على الإرهابيين عسكريًا لكنها لم تقضِ عليهم أمنيًا وخير دليل على ذلك الخلايا النائمة التي يتم اكتشافها وتفكيكها وتوقيف عناصرها، وجديد هذه التوقيفات مطلوبان بقضايا إرهاب أوقفتهما قوة من مديرية المخابرات في أحد مخيمات النازحين السوريين في بلدة عرسال البقاعية.
كل ذلك يقودنا إلى استنتاج واحد ووحيد: أي تفكك في الجيش وبالمحصّلة أي خلل يصيب الجيش سينعكس سلبًا على الوضع الأمني.
وتذكر المصادر بتحذير قائد الجيش العماد جوزف عون المتكرر من مخاطر انهيار المؤسسات وتداعيات ذلك على المؤسسات العسكرية، فالجندي لديه مهام كثيرة وكبيرة والمطلوب منه في هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن يترافق مع تفكيره بأسرته وكيفية تأمين احتياجاتها الضرورية للصمود مع راتب تهاوت قيمته الشرائية.
التحذيرات المتتالية لقيادة الجيش إن دلّت على شيئ فعلى خشية القيادة من بلوغ مرحلة يرفض فيها العسكري تنفيذ الأمر على الأرض لأن من يقف بوجهه جائع مثله، فالوضع دقيق جدًا وطلب المساعدات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة ينبع من هذه الخشية ومن بلوغ مرحلة أكثر تعقيدًا.
تحذيرات من كل الجهات
التحذيرات الأمنية دأب وزير الداخلية محمد فهمي على إطلاقها في أكثر من مناسبة، قارعًا جرس الإنذار لمن يعنيهم الأمر، لكنهم أداروا لهذه التحذيرات الأذن الطرشاء، فهمي كرر أن القوى الأمنية تُستنزف كل يوم ووصلنا إلى الحضيض وليس في مقدورنا تنفيذ 90% من مهامنا لحماية الوطن والمواطنين أي أنها غير قادرة على الوفاء بواجباتها مع اشتداد وطأة الانهيار المالي والجمود السياسي.
الوضع الأمني المتراقص على حافة الانهيار بفعل طبقة سياسية تمارس السادية في الحكم، يأتي معطوفًا على تقرير أمني يحذّر من نية جبهة النصرة أو جبهة تحرير الشام وهو المسمّى الذي اعتمدته لإبعاد صفة الإرهاب عنها، استهداف السفارة الروسية في بيروت من خلال طاقمها خطفًا أو قتلًا، وهو ما أبلغ إلى السفارة وإلى الأجهزة الأمنية كلها والوزارات المعنية.
وبعد…التوتر يشتد خوفًا من غدٍ أكثر سوادًا أشار إليه رئيس التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وانهيار كامل إذا اعتذر الرئيس المكلّف بحسب الرئيس نبيه بري الذي أكد ألًا اعتذار ولا تأليف، وعليه يبقى المواطن عالقًا بين قوى سياسية كل همّها تنفيذ أجنداتها الداخلية والخارجية حتى آخر كسرة خبز في بيت لبناني .