الوضع المعيشي نحو الأسوأ!
على رغم الإرتياح الحذر الذي قوبل به كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامه عن إمكانية التفاوض مع المصارف حول الإفراج عن أموال المودعين إبتداءً من أوائل شهر تموز المقبل، فإن ثمة مخاوف لدى الذين إكتووا بالحليب وهم ينفخّون على اللبن من أن تشهد الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المزيد من التأزم، مع ما يرافق هذه المخاوف من لامبالاة من قبل من في يدهم زمام الأمور، الذين لا يزالون يتصرّفون وكأن “الدني بألف خير”.
والأنكى من كل ذلك أن هؤلاء المسؤولين لا يرون ما يعانيه الشعب بأغلبيته من ويلات ومآسٍ وكوارث، وهم لا يزالون يديرون أذنهم الطرشاء لكي لا يسمعوا صرخة الناس الذين يئنون ألمًا وفاقة. ويبرّر هؤلاء المسؤولون عدم لامبالاتهم بأن ثمة جهات كثيرة، من الداخل والخارج، تتقصد بث أجواء التشاؤم وإشاعة جو الذعر بين الناس، وذلك بهدف النيل من صمود العهد في وجه المغريات الخارجية والتهديات المبطّنة.
ويقول الناطقون بإسم هؤلاء المسؤولين، ولو في شكل غير رسمي، إنه لو تمت الموافقة على الشروط التي فُرضت على لبنان لكي يقبل بصفقة القرن لما كان الوضع المالي والإقتصادي قد وصل إلى ما وصل إليه اليوم، ولما كانت كل تلك المعاناة التي يعانيه اللبنانيون، ولكان الوضع أفضل بكثير من بعض الدول المحيطة بلبنان.
ويتهمّ هؤلاء بعض الجهات التي تنفّذ “أجندات” خارجية بالترويج للأجواء التشاؤمية الهادفة إلى بث الذعر في نفوس اللبنانيين، الذين صودف أن لديهم قابلية لتصديق الشائعات، والتي تهدف فقط إلى تشويه سمعة المسؤولين، مع السعي إلى تحميل تلك الجهات مسؤولية التدهور المالي والإقتصادي والإجتماعي من خلال ما ترّوجه من معلومات خاطئة لا تهدف إلا لبث الذعر بين المواطنين، وذلك بالتزامن مع حملات منظّمة من قبل بعض الإعلام، الذي يسمّونه بـ”المأجور”، للترويج لتلك الحملات الخارجية بالتكافل والتضامن مع بعض من هذا الداخل.
هذا ما يحاول بعض أركان السلطة تصوير الوضع المعيشي على غير حقيقته، وذلك بذرّ الرماد في العيون وإحداث زوابع في فناجين تبسيط الأمور، تحاشيًا لئلا يُقال أن الإنهيار الكبير حصل في زمن التخّلي، وفي زمن “عسكر دبرّ راسك”، وهو تعبير يُستعمل عادة في الحروب وعندما تكون “طاسة المسؤولية ضايعة” تمامًا كما هو حاصل اليوم على أكثر من صعيد ومستوى.
أمّا الذين ينظرون إلى الأمور بعين واقعية فيرون عكس ذلك تمامًا. يرون أن الأيام الآتية ستحمل المزيد من الإنهيار في إمكانات اللبنانيين بعدما فقدوا أموالهم التي أودعوها في المصارف وخبأوها إلى وقت الحاجة، وبعدما فقدت الليرة قدرتها الشرائية، وبعدما إرتفعت أسعار السلع الإستهلاكية الأساسية أضعافًا مضاعفة، بحيث أن ما يمكن شراؤه بمئة ألف ليرة اليوم لن يصبح ممكنًا شراؤه بعد فترة وجيزة بمئتي ألف ليرة…وهكذا دواليك حتى آخر معزوفة الصمود.
ليس تهويلًا ولا تهبيطًا للحيطان، بل هو الواقع الفارض نفسه على الجميع، وهو المتجسّد طوابير طويلة أمام محطات البنزين وأمام الأفران وأمام محلات بيع الدجاج وحليب الأطفال… والحبل على الجرار.
ليس تيئيسًا ولا تخويفًا ولا حتى التماهي مع ما يروّج له محبّو العهد من أن مسلسل الأزمات مفتعل من أجل ليّ ذراع العهد وإجباره على التسليم بشروط تعجيزية.
إنه الواقع ليس إلاّ. هو مرير ومؤلم ومحزن ولكن ما في اليد حيلة.