5 أيار 2000.. «المقاومة» تأكل أبناءها!
في ذكرى تحرير الاراضي اللبنانية من العدو الإسرائيلي تم منذ أكثر من 20 عاماً لا تزال السيادة اللبنانية رهينة الحسابات الاقليمية ومكبلة بالأزمات المعيشية والاقتصادية التي تلتف حول رقاب اللبنانيين.
كان يمكن لهذا التّاريخ أن يتحوّل عيدا آخرا من الأعياد الوطنيّة التي يفرح بها اللبنانيون، لكن سرعان ما انكشف ما تحت القناع، فتحوّل إلى يوم آخر يضيفه اللّبنانيون، إلى سجلّ معاناتهم المستمرّة منذ عام 1969. في 25 أيار 2000 خرجت إسرائيل من لبنان.
إسرائيل التي حقّقت خطّتها بإخراج المقاومة الفلسطينيّة منه عام 1982، إستمرّت باحتلالها له، ساعية إلى فرض ترتيبات أمنيّة على اللبنانيّين، في الجنوب تحقّق لها قسما من الجانب السّياسي من خطّتها.
إقرأ أيضاً: عيد بلا تحرير.. ولا من يُحررون!
طموحها الأساسي، بتوقيع إتفاق سلام معه كان انتهى عمليّا، عندما أكّد الّرئيس الرّاحل بشير الجميّل، أنّ لبنان لن يوقّع مثل هذا الإتّفاق، وسيبقى في محيطه العربي، الأمر الذي أدّى في المحصّلة، إلى إغتياله. من عاصر تلك الحقبة يذكر أنّ المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي بدأت منذ أن خرجت المقاومة الفلسطينيّة من لبنان، وذلك مع إطلاق جورج حاوي ومحسن إبراهيم للجبهة الوطنيّة لمقاومة إسرائيل، من منزل الشهيد كمال جنبلاط، بتاريخ 16 ايلول 1982.
وقد تساءل الصّحفي طوني فرنسيس عن الحاجة في حينه لهذا الإعلان، خاصّة وأنّ من أطلقه كان ناشطا في مواجهة الغزوات الإسرائيليّة للبنان منذ عام 1978. وهو اعتبر أنّ هدف ذلك الإعلان كان سياسيا وبمثابة ردّ يمنع “إرتدادات إغتيال الرّئيس الجميّل، الذي كان أغتيل قبل ساعات من ذلك الإعلان، على المستوى الأهلي، ويحاصر إنعكاسات مجزرة صبرا وشاتيلا، التي تبعت الإغتيال، ويحوّل المعركة باتّجاه مطلب واحد هو إخراج الإسرائيلي بقرار شعبي لبناني جامع. هذا التفسير رأيته مفيدا جدّا لأنّه يفسح لنا بقراءة أكثر وضوحا لتلك المرحلة.
ما قام به حزب الله أو حركة أمل أو الحزب السوري القومي الإجتماعي من إغتيال للمقاومين الوطنيّين ولاسيما من الأحزاب التي أطلقت الجبهة الوطنيّة لمقاومة إسرائيل
وقد تذكّرت ما قام به حلفاء النظام السوري في حينه، سواء حزب الله أو حركة أمل أو الحزب السوري القومي الإجتماعي جناح أسعد حردان، من إغتيال للمقاومين الوطنيّين، ولاسيما من الأحزاب التي أطلقت الجبهة الوطنيّة لمقاومة إسرائيل، فقد بلغوا وفقا لرئيس الحركة اليساريّة اللبنانية منير بركات، 15 شهيدا أطلقت النار عليهم في ظهورهم، أثناء ذهابهم لتنفيذ عمليات مقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، أو خلال عودتهم منها. كلّ ذلك غير النخب القياديّة والثقافيّة التي اغتيلت عام 1987.إسرائيل كانت تتطلّع إلى اتّفاق أمني مع لبنان.
النّظام السّوري لم يعارض هذا التوجّه في البداية. يشرح الوزير السابق إيلي سالم في مذكّراته كوزير سابق للخارجية، عن التّواصل الذي أقيم مع دمشق لهذا الغرض. دمشق لم تكن تعارض واقعيا مثل هذه التّرتيبات الأمنّية بل كانت تطمح أن تحظى بمكاسب نتيجتها، فلمّا تأكّدت أنّ إسرائيل تصرّ على انسحاب سوري لاحقا من لبنان، عارضت هذا الإتفاق.
حافظ الأسد ساهم بعمليّة طرد عرفات من لبنان. أحداث طرابلس في حينه، كشفت عمق الكراهية التي كان يكنّها أبو باسل لـ”أبو عمّار” وأيضا لكلّ إستقلالي مثله، لا يمشي تحت عباءته. هو لم يقبل أن يبرز في لبنان بعد “ابو عمّار” قادة خارج إرادته. أبو باسل تحوّل نحو حزب الله، بعد أن فقد أيّ أمل في مساومة مع إسرائيل تعوّضه في لبنان، ما قدّمه من خدمات سمحت بخسارة الجولان السوريّة من دون حرب حقيقيّة.
المقاومة الإسلاميّة لم تتمكّن رغم الدعم السوري والإيراني أن تفرض على المحتل الإسرائيلي الإنسحاب من لبنان
هذا هو السبب الذي أدّى إلى إغتيال كلّ القادة الأحرار سواء في الجبهة الوطنية للمقاومة أو خارجها. هذا الترابط في الأحداث، يبين خلفيّة إطلاق ما سمّي بالمقاومة الإسلاميّة بعد ذلك، وإطلاق دور حزب الله ودعمه عسكريّا وماديا وسياسيّا من جانب نظام دمشق. وعلى الرّغم ممّا سبق، لا بدّ من التّذكير أنّ المقاومة الإسلاميّة لم تتمكّن رغم الدعم السوري والإيراني غير المحدود لها، أن تفرض أخيرا على المحتل الإسرائيلي الإنسحاب من لبنان من دون قيد أو شرط .
فالموقف الوطني الجامع الذي شاءته جبهة المقاومة الوطنيّة عام 1982 تحقّق بعد اتّفاق الطّائف. فتبنّى لبنان بكل فئاته وطوائفه وقواه السياسيّة، مبدأ المقاومة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي. لم يضع أي طرف لبناني، شارك في الحرب الأهليّة بين الأعوام 1975 و1990، أي تحفظ على هذا الأمر. وعليه حظيت المقاومة الإسلاميّة بالتّغطية الوطنيّة المناسبة لعملها.حظيت هذه المقاومة أيضا، بغطاء عربي وإقليمي كبيرين من خلال التوازن في العلاقات التي أقامها الرّئيس حافظ الأسد بذكائه الحادّ، مع المملكة العربيّة السعوديّة من جهة، وإيران من جهة أخرى.
قدّم الحريري كلّ الدعم للمقاومة الإسلاميّة في الجنوب، فيما قدّمت له سوريا التسهيلات المناسبة لتحقيق حلمه
ألأسد سعى أن لا يغضب المملكة رغم أنّه أوقف تطبيق إتفاق الطّائف منذ عام 1992، فتعاون مع الرّئيس رفيق الحريري. بدوره الرّئيس الحريري كان يهمّه نجاح خطّته لإعادة إعمار بيروت، فلم يسع لإغضاب سوريا. وهكذا قدّم الحريري كلّ الدعم للمقاومة الإسلاميّة في الجنوب، فيما قدّمت له سوريا التسهيلات المناسبة لتحقيق حلمه. وفي هذا الحين إبتعد حزب الله عن التدخّل في الشّؤون الدّاخليّة في لبنان، التي كانت من مهمة رئيس حركة أمل نبيه بري، ورئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وهما الحليفان الرئيسان الموثوقان للنّظام السّوري.
رفيق الحريري وظّف كلّ علاقاته الدّولية لخدمة الأسد والدّفاع عن المقاومة في جنوب لبنان. ولعبت الدّبلوماسية اللّبنانية لعبت دورا كبيرا وهامّا في المحافل الدّولية، في مواجهة الدّبلوماسية الإسرائيليّة التي سعت إقناع العالم بأنّ المقاومة ليست وطنيّة بل طائفيّة تتبع لسوريا وإيران، وأنها زمرة إرهابيّة. ولطالما كان لي مواقف في مواجهة الدّبلوماسيّة الإسرائيليّة بدءا من عام 1990، حيث تمكّنت من الحصول على قرار في لجّنة حقوق الإنسان في جنيف، يصف إسرائيل بقوّة إحتلال في لبنان، مما منح اللبنانيّين، كلّ اللبنانيّين تلقائيا، الحق الشرعي بممارسة المقاومة ضدها. وقد تمكّنت أيضا عام 1995، وبدعم مطلق من السفير الدكتور سمير مبارك، رئيس البعثة الدائمة في نيويورك في حينه، من وقف إصدار الإعلان بالذّكرى الخمسين للأمم المتّحدة قبل التأكيد على حقّ الشعوب الفطري، بمقاومة الإحتلال الأجنبي لأراضيهم الوطنيّة وحقّ تقرير المصير.
وما زلت أذكر ذلك الإتصال الهاتفي التاريخي خلال عام 1996، للسفير مبارك مع الرئيس الحريري، نقل إليه خلاله أنّ بطرس غالي، أمين عام الأمم المتّحدة يسعى لتعديل نص قرار الخبراء بشأن مجزرة مقر اليونيفيل في قانا، لجعل قصف إسرائيل للمقر بأنّه لم يكن متعمدا، فيما التقرير أكّد أنه كان متعمدا. وهو دعاه للتواصل مع الرئيس حسني مبارك لوقف تلك المهزلة. وهذا ما حصل فعلا فصدر التقرير كاملا.
وقد أمكننا أيضا، نقل المناقشة بهذا الشأن، إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، بعد أن فشلنا في تمرير قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل، والحصول على قرار من جانبها يعترف بذنب إسرائيل ويطلب منها التعويض عن الأضرار.
كما أمكنني عام 1998، من تبديل فقرة في شرعة المحكمة الجنائيّة الدوليّة كانت تمنح المحكمة صلاحية ملاحقة كلّ من يجنّد أطفالا في حروبه، وحصرها في القوى الشرعية فقط. وكان واضحا أنّ تلك الفقرة تصيب أطفال المقاومة في فلسطين وفي لبنان.سرعان ما تحوّل الصراع الأهلي في لبنان، إلى صراع سياسي بين جانبين، أحدهما يدعو إلى انسحاب سوريا من لبنان، وعلى رأسهم الجنرال ميشال عون وتياره البرتقالي، بعد أن تحوّل دورها من قوّة وصاية لمساعدة اللبنانيّين لاستعادة السلام، إلى قوّة إحتلال تمارس نهب وسرقة ثروات لبنان، ولاستخدامه في سياساتها الخارجيّة، وآخرين يعارضون ذلك.
حزب الله وحلفاء المقاومة وقفوا إلى جانب الإحتلال السوري المستمر للبنان
حزب الله وحلفاء المقاومة وقفوا إلى جانب الإحتلال السوري المستمر للبنان.بتاريخ 25 أيار 2000 ، إنسحبت إسرائيل من لبنان. وبتاريخ 10 حزيران 2000 مات حافظ الأسد. وكلّنا يدرك ما تبع ذلك من تأثيرات على تركيبة نظامه التي تعني بلبنان. فالأسد أعدّ بشّار ليكون وريثه بعد موت ابنه باسل . بشّار تسلّم ملف لبنان عام 1998 فقط، أي قبل وفاة والده بسنتين، فلم يتمرّس به كفاية، خاصّة وأنّ خصمه كان عبد الحليم خدّام. لم يدرك أهمية الموازاة في علاقاته بين إيران والسّعودية، فانحاز إلى إيران، ووصف قادة الخليح بأشباه الرجال، فانتهى لبنان في حضن هذه الأخيرة. كما أنّ سوريا اضطرت أن تجر أذيال الخيبة بدورها، وينسحب جنودها في 26 نيسان 2005 ، وهم يرفعون شارة النصر. في 25 أيار 2000 ، خرج الإحتلال الإسرائيلي من لبنان. بعض اللبنانيين يحتفلون مع السلطة التي أقامها حزب إيران في لبنان، بهذه المناسبة.
سيأتي الوقت الذي سنحتفل فيه بلبنان جديد، لا يخرج الإحتلال الإيراني فحسب، بل تحاكم كلّ أدواته وأدوات النظام السوري
ميشال عون الذي قاد الحملة ضد حزب الله والنظام في سوريا في حينه، وشارك في إطلاق قرار الأمم المتّحدة بشأن الإنسحاب السوري صار وصهره باسيل، من المدافعين عنها، وعن وصاية السلاح الإيراني لنا. خرج الإحتلالان الإسرائيلي والسوري. وسيأتي الوقت الذي سنحتفل فيه بلبنان جديد، لا يخرج الإحتلال الإيراني فحسب، بل تحاكم كلّ أدواته وأدوات النظام السوري.
من يطالب بإلغاء اتّفاق الطّائف، يلغي أيضا، العفو الإستثنائي الذي أقرّه الطائف، لمجرمي الحرب الأهليّة. عندما تخرج إيران من بلدنا، سنقيم احتفالا وطنيّا كبيرا يمجّد كل ضحايا لبنان منذ عام 1975 وحتّى حينه.
سيحظى لبنان بحياده، وسيتوقّف أن يكون ضحيّة لأحد.