اقليمي

لماذا يمكننا القول إن نتانياهو خسر؟

“درج”:  حازم الأمين – صحافي وكاتب لبناني

بنيامين نتانياهو اعتقد أنه ابتلع القدس، لكن الأخيرة عادت وتحولت شوكة لن يتمكن من هضمها في ظل الوقائع الأخيرة.

أعلنت “حماس” انتصارها في الحرب، وأعلن بنيامين نتانياهو أيضاً انتصاره! لا بأس فهذا شأن المتحاربين حين لا يكون النصر ساحقاً ولا الهزيمة ساحقة. وربما كانت المرة الأخيرة التي أعلن فيها طرف هزيمته في الحرب على نحو واضح، هي عندما أعلن روح الله الخميني قبوله “تجرع كأس السم” وموافقته على وقف الحرب العراقية- الإيرانية، في لحظة كان فيها جيش صدام حسين متقدماً. حصل ذلك عام 1988، وكف المتحاربون بعدها عن اعترافهم بالهزائم.

لكن هذه المرة يمكن أن تُسجَّل على نتانياهو هزيمة واضحة، وهي هزيمة بدأت تلوح قبل الحرب على غزة ولم تتوج ميدانياً بـ”إنجاز لحماس”، إنما تُوجت بالوقائع المقدسية أولاً، ووقائع الداخل ثانياً. أما إحصاء علامات الربح والخسارة في غزة، فعلى صعوبته، يجب ألا يغيب عنه وصول صواريخ “حماس” إلى تل أبيب. لكن الهزيمة التي لحقت بنتانياهو كانت بدأت قبل ذلك بكثير، فالرجل خسر الانتخابات الأميركية، بعدما كان استثمر بدونالد ترامب حتى النفس الأخير، وخسر أيضاً عندما باشرت الإدارة الأميركية مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، إلى ما ستفضي إليه هذه المفاوضات من معاودة وشيكة للعمل في المعاهدة النووية الشهيرة. خسر هو وكثيرون غيره على هذا الصعيد، لا سيما دول الخليج العربي. والخسارة الثالثة التي بدأت تلوح ملامحها، تمثلت ببدء التراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ذاك أن كلاماً بدأ يتسرب عن احتمال افتتاح قنصلية أميركية في القدس الشرقية، ناهيك بتأكيد “منظمة المؤتمر الإسلامي” وعلى رأسها السعودية، أن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وهذه الخطوة تنطوي أيضاً على بدء تراجع خليجي عن خطوات التطبيع بين إسرائيل ودول مثل الإمارات والبحرين، والتي كانت حصلت برعاية صهر الرئيس الأميركي السابق، أي جاريد كوشنير.

بنيامين نتانياهو اعتقد أنه ابتلع القدس، لكن الأخيرة عادت وتحولت شوكة لن يتمكن من هضمها في ظل الوقائع الأخيرة. وإذا كانت وظيفة مسارعته إلى إعلان النصر، انتخابيةً، في ظل الاستعصاء السياسي الذي تعيشه إسرائيل على مدى 4 دورات انتخابية، فإن حقائق ثقيلة تتعدى الاستحقاق الإسرائيلي الداخلي صار من الصعب تجاوزها. فقد يكون من التسرع القول إن تحولاً دراماتيكياً أصاب السياسة الأميركية حيال إسرائيل، لكن مؤشرات صلبة يمكن رصدها تشير إلى أن المسافة بين واشنطن وتل أبيب صارت أطول.

عدم استجابة جو بايدن لضغوط نتانياهو في موضوع التقارب مع طهران، ليس المؤشر الوحيد، إنما أيضاً الحذر الذي شهدته لغة الديبلوماسية الأميركية خلال الحرب الأخيرة أيضاً، ولوبيات الحزب الديموقراطي الضاغطة على الإدارة للحد من دعمها إسرائيل، ناهيك برأي عام غربي وأميركي كشف عن ذهوله من العنف الذي مارسته تل أبيب خلال استهدافها المدنيين في غزة.

لا شك في أن نتانياهو التقط هذه المؤشرات. مؤتمره الصحافي الذي أعلن خلاله “النصر” أشار إلى ذلك، على رغم أنه من المبكر توقع تحول إسرائيلي يفضي إلى عودة عن الموقع الجشع والالتهامي الذي تعاظم في السنوات الأخيرة. لكن صار من الصعب على أي حكومة إسرائيلية ألا تتعامل مع الحقائق الجديدة التي فرضتها المواجهات الأخيرة مع الفلسطينيين في القدس وغزة والضفة والداخل، لا سيما أن هذه المواجهات حصلت في ظل مناخ عالمي وإقليمي لا يتيح غض النظر عنها. صحيح أن ذلك قد لا ينعكس على المشهد الانتخابي الإسرائيلي المشدود حالياً نحو مزيد من الخيارات اليمينية في ظل استهداف تل أبيب بالصواريخ، لكن أي حكومة إسرائيلية لا تمكنها إشاحة النظر عن هذه الوقائع.

العودة إلى البحث عن الـ”شريك الفلسطيني” لن تفضي إلى “حماس” طبعاً. الأخيرة تعرف ذلك، كما تعرفه واشنطن والقاهرة. محمود عباس رجل تصعب إعادة إحيائه، وهو لم يعد يصلح لغير كتابة مذكراته غير المشوقة أصلاً. إذاً ما العمل؟

إبقاء المشهد على ما هو عليه، أي تعليق الحرب في غزة، وتجميد الوضع في القدس والضفة، قد يكون خيار نتانياهو، بانتظار معاودة الانقضاض على القدس وعلى الفلسطينيين. أما الاستثمار بالمتغيرات لتأمين نصابٍ لتجاوز الاستعصاء، فيقتضي البحث عن بديل لأبو مازن. ربما حضرت الوسطاء الأميركيين والمصريين فكرة البحث عن “مروان برغوثي” ما، ليرث أبو مازن. المهمة ليست سهلة ولن تجد من يسهلها في تل أبيب في ظل المشهد السياسي الراهن، لكن إسرائيل الآن ليست كما كانت أيام صفقة القرن. هذا هو المعنى السياسي لهزيمة نتانياهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى