الانتخابات الرئاسية السورية : خمسون مرشحاً أو خمسون ظلاً لبشار الأسد؟
“درج”: كارمن كريم – صحفية سورية
أتخيل للحظة فوز مرشّحٍ ما غير الأسد، الفكرة غريبة بطبيعة الحال أي أن تقول اسماً غير الأسد كرئيس لسورية، ثم أتساءل ماذا سيحدث حينها؟
من خلال سيارة مُهيبة يرافقها موكب من راكبات الدراجات انطلقتْ فعاليةُ “أطول رسالة حبّ ووفاء في العالم لرجل السلام الأول السيد الرئيس بشار حافظ الأسد”، بمشاركة فعاليات رسمية وحزبية وشبابية. تهدف الفعالية إلى جمع أكبر عدد من التواقيع المؤيدة للأسد على “رول” قماش بطول 2000 متر. كما يخطط القائمون على المبادرة إلى الوصول بالرول إلى موسوعة “غينيس”، هل فكروا مثلاً بصنع رول آخر يسجلون عليه أسماء ضحايا الأسد؟
سيحتاج حتماً إلى أكثر من 2000 متر.
لكن ولسوء الحظ وبعد انطلاق الموكب من دمشق ثم مروره في مدينتي القنيطرة ودرعا، وحين وصوله إلى مدينة السويداء نفد وقود السيارة التي تحمل أطول رسالة حبّ، وهكذا وصلت أزمة المحروقات إلى “المستقبل الرئاسي ذاته”. لم يجد القائمون أي وقود ليتابع الموكب هدفه المنشود، وهكذا توقفت السيارة على جانب أحد الطرق لساعتين بانتظار حفنة من البنزين والعلمُ السوريُّ يرفرف إلى جانب صورة الأسد، في منطقة شبه مقطوعة، ليحاول منظمو الفعالية نفي ما حصل، مبررين توقفهم بدافع التقاط الصور التذكارية، من دون وجود أي عطل أو نفادٍ في الوقود!
لا تنتهي مفارقات النظام، كأن يفر أحدهم من الخدمة العسكرية والاقتتال، نحو أوروبا، فيما ما زال يؤيد ديكتاتورية النظام، على رغم أنه مُنح فرصة الحرية في مكان آخر! إنها مفارقة أخرى تستحق الوقوف عندها. يعلم هؤلاء جيداً أن سوريا بلد غير صالح للعيش لكنهم يدعمون رئيسها للانتخابات المقبلة عبر البحار. يمتلك هؤلاء ثقة كبيرة لا تدري كيف جاءت ومن أين يستحضرونها بشكل يوميّ، على رغم الخراب، ووسط الديموقراطية المفتعلة يردد البعض أن شرط الترشح إلى رئاسة الجمهورية العربية السوريّة هو أن تكون بشار الأسد! إنها ليست بنكتة أو مزحة سمجة إنما طريقة تفكير متكاملة للنظام وأتباعه. وهؤلاء لا يهمهم في الحقيقة لا الدستور ولا قانون الانتخابات الرئاسية، نعم بهذه البساطة، ألم يصبح بشار رئيساً للمرة الأولى دون أن يتم الأربعين عاماً عكس ما جاء في الدستور؟ نعم الأسد أقوى من دستور البلاد.
آلاف الضحايا والمعتقلين والمهجّرين راحوا لأجل حلم الحرية والديموقراطية في سوريا، الديموقراطية التي أوصلت خمسين مرشحاً بالفعل إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2021، قد يجد البعض في ترشيح 50 اسماً من الديموقراطية ما تحلم به أي دولة أخرى لكن المفارقة تكمن في أن السوريين يدركون أنه ومهما بلغ عدد المتنافسين على الكرسي، فإن بشار سيفوز في أي حال! المرشح رقم “ستة”، فحاشا أن يرشِّحَ نفسهُ قبل غيره، وعلى رغم معرفة الجميع بالنتيجة مسبقاً إلّا أنهم دخلوا هذا التحدي الصعب.
إنها الديموقراطية إذاً! نعم تبدو الانتخابات الرئاسية السورية أشبه بمسرحيةٍ أو بمسلسلٍ سيئ الإخراج، نظام الأسد واحدٌ من أسوأ الممثلين والمخرجين على الإطلاق، لكنه الأقدر على إبادة شعوبٍ كاملة.
امرأة تنافس الأسد على الحكم!
إذاً يعلم الجميع أن ما يحصل هو مهزلة تُدعى الانتخابات، إنها محاولة بائسة من النظام لإثبات شرعية الأسد وخدعة المؤامرة الخارجية، هكذا ببساطة، قُتل شعبٌ وشُرد وجاع وتعرض لأبشع أنواع التعذيب ليعود النظام ذاته ويطرح نفسه كحلّ وحيد لأزمة ما عادت قابلة لحلول قريبة، شرّ البلية ما يضحك! وشرُّ النظام السوريّ كذلك. لعبةُ الانتخابات الرئاسية باتت مكشوفة إلى الحد الذي تساءلتْ فيه صديقتي: “عنجد مصدقين حالهن! طيب هو… هو، يعني بشار ما بيخجل من حالو وهو عرفان انو الكل بيكرهو؟”. هذه اللعبة تضمنت شروطاً جديدة وعندما فكر النظام بأفضل طريقة لتعزيز الديموقراطية التي سيفوز على أثرها بشار الأسد، كان من المناسب طرح منافسة له وهكذا يضرب أهل النظام عصفورين بحجر واحد، فمن جهة يؤكدون للشكاكين والمعارضين وجود منافسين حقيقيين لسيادته، ومن ناحية أخرى يركبون موجة دعم النساء، فأن تنافس امرأة بشار يعني وصول السوريين إلى مستوى جديد من الديموقراطية لم يختبروه سابقاً.
للمرة الأولى في تاريخ سوريا، تترشح امرأة لمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية وهي فاتن علي النهار والتي سارع مؤيدو الأسد إلى معارضة ترشحها ودخلوا في مسرحية نظامهم، مدافعين عن مرشحهم بالقول: “لك سوريا الأسد أحلا وأهيب من سوريا النهار”. وذهبت تخوفات البعض لتشبيه السيدة النهار بترامب حين كان مجرد التفكير بفوزه مضحكاً ليتحول في النهاية هذا المهرج إلى رئيس أقوى دولة، فهل تتحول النهار إلى رئيسة سوريا المقبلة معلنة عن برامج إصلاحية يصل بعضها إلى تأسيس محطة فضاء سورية بحلول عام 2025؟! وهكذا باتت المنافسة على أشدها بين مؤيدي بشار الأسد ضد منافسيه الوهميين، إلى هذا الحد يمكن خداع مؤيدي النظام، يضعون لهم دمى على شكل مرشحين فيغضبون لمجرد فكرة منافسة رئيسهم الذي لن يخسر في جميع الأحوال.
تعيدنا هذه الموجة من المرشحين الذين وصلوا إلى 51 مرشحاً، لا يعلم أحدٌ كيف ظهروا أو من أين سطع نجمهم فجأة، إلى الرئيس الجديد الشرتح المقيم في السويد والذي يتخيل نفسه كرئيس مقبل لسوريا، لكن الفرق أن لدينا واحداً بالفعل يُدعى بشار وهو رئيس واحدةٍ من أكثر البلاد المنكوبة بؤساً في العالم!
علّموا أطفالكم حبَّ الأسد
جهْلُ مؤيدي النظام مستفزٌ وغير قابل للتفسير لكنه في النهاية نتيجة طبيعية لتدجين شعبٍ وجعله عبداً للأسد وحسب، إنه أمر محزن وأليم، أن يتحول أناسٌ أحرارٌ لمنساقين خلف شخص لم يفعل لهم شيئاً سوى تدمير بلادهم وتجويع عائلاتهم. انتشر فيديو مثيرٌ للاشمئزاز، قيل إنه يعود لمدرسة في مدينة طرطوس، تُلقّن فيه المعلمة تلاميذها عبارات جاهزة عن حبّ الأسد والخيار الوحيد والقائد الخالد. تفتتح المعلمة الفيديو بقولها إن الأطفال هم تحت السن القانونية ولا يستطيعون الانتخاب لكنهم يستطيعون إبداء رأيهم! يغدو المقطع الذي نشرته المدرسة على صفحتها على “فايسبوك” أكثر استفزازاً، بعد طرح المعلمة أسئلة ليجيب عليها الأطفال بكل ثقة، تسألهم مثلاً: “من هو أمل سوريا للوصول إلى مستقبل أفضل؟”، يقف أحد الأطفال مردداً: “السيد الرئيس بشار حافظ الأسد”. تثني عليه المعلمة لفطنتِه، ثم تعيد السؤال على تلاميذ آخرين بتغيير المقطع الثاني من السؤال ليصبح “من هو أمل سوريا للتخلص من الاحتلال؟”، أو تطرح السؤال بالصيغة ذاتها على أطفال آخرين، وتأتي الإجابة موحدة في جميع الأحوال. تتابع المعلمة اتهام الدول “الشيطانية” بمحاربة السوريين ليتخلوا عن أملهم أي “بشار”، وهو سبب “استشهاد” كثيرين ومنهم آباء لبعض الأطفال في الصف ليخرج الأيتام إلى جانب المعلمة التي تؤكد أن أخاها كذلك “استشهد”، لأن الدول المعادية تحاول تغيير خيارهم الوحيد في بشار الأسد، لتسأل الأطفال بثقة: هل غيرتم خياركم على رغم استشهاد آبائكم؟ لينفي الأطفال ذلك مرددين اسم بشار المرة تلو الأخرى! حُذف المقطع لاحقاً عن صفحة المدرسة لكن ذلك لا يغير حجم الكارثة التي تحصل خلف الجدران.
أن تنتخب بشار هو أمرٌ مفروغ منه في كلّ الأحوال. في الدورة الانتخابية السابقة رفضنا أنا وعائلتي الذهاب والاقتراع لعلمنا المسبق بحجم الزيف والتزوير، لاحقاً أدركنا أن مسؤول الفرقة الحزبية في القرية انتخب بأسمائنا بشار الأسد! لم نستطع قول شيء سوى أننا ضحكنا مرددين قصصاً متخيلة عن ذهابنا إلى تصويت ديموقراطي لم نحضره. لا بل لدى النظام حيل أفضل لجمع الأصوات، فأحد الشبان اكتشف أن والدته المتوفاة منذ عشرات السنوات صوتت لبشار الأسد، خرج وهو يتلمس رأسه مردداً لكن أمي ميتة. إذاً كم ميتاً صوّت لمرشحه الوحيد بشار؟
هذا الإجبار على التصويت للأسد لا يقتصر على الموتى، يحرص النظام على اختيار يوم الانتخابات خلال الدوام الرسمي للجامعات، يقول سامي (اسم مستعار) أجبرونا حين كنت في الجامعة على الانتخاب وكانوا يتأكدون من أصابعنا وإن لم يجدوا أثراً أزرق على الأصابع تأكيداً على بصمة الاقتراع كانوا يمنعوننا من الدخول إلى السكن الجامعي والعودة إلى الغرف لحين التصويت، وبطبيعة الحال سيخاف هؤلاء الشباب وسيصوتون لبشار خشيةً من مراقبتهم واكتشاف أنهم صوتوا لغيره.
أتخيل للحظة فوز مرشّحٍ ما غير الأسد، الفكرة غريبة بطبيعة الحال أي أن تقول اسماً غير الأسد كرئيس لسورية، ثم أتساءل ماذا سيحدث حينها؟ أيتحول ما اكتبه هنا إلى هراء وتزييف للواقع، لكنني أنهي ما اكتب باطمئنان فلا خوف من النتائج الانتخابية حين يكون شعار المرحلة “الأسد أو نحرق البلد”.