السلطة علمت بنيترات المرفأ ولم تتحرك فهل تستفيق قبل الانفجار الثاني؟
فيما تتطاير اوراق الروزنامة اللبنانية السياسية والاقتصادية سريعة، تتطاير معها ايضا، وبالسرعة نفسها، اموالُ احتياطيّ مصرف لبنان المخصصة لدعم السلع الاولية والحيوية. حتى الساعة، السلطة السياسية لم تتحرّك، ولم تبادر حكومةُ تصريف الاعمال – تحت حجّة انها تصرّف الاعمال – الى البحث جديا في هذا الوضع المقلق والخطير. فالمطلوب منها، تكثيف اجتماعاتها ووصل الليل بالنهار للخروج بخطة، تُرشّد الدعمَ الذي يؤمّنه المركزيّ لهذه البضائع، وأهمّها الطحين والدواء والمحروقات، وتُحوّله الى الأُسَر الاكثر حاجة، عبر بطاقة تموينية او عبر خيارات بديلة يُفترض بأهل الاختصاص، الذين مبدئيا تتألّف منهم هذه الحكومة، تتيح وصولَ الدعم الى الفئات المحتاجة، لا ان يستفيد منها كبار التجار، كما هو حاصل اليوم.
لكن حتى اللحظة، لا حياة لمن تنادي، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”. وبدل الانكباب على العمل لاننا في ظروف استثنائية تُحتّم على حكومة تصريف الاعمال التدخّل تفاديا لانفجار اجتماعي، نرى الرئيس حسان دياب “يحذّر” من الأسوأ الآتي، ويحاول تأمين التمويل للبطاقة العتيدة، بالطريقة الاسهل: استعطاف العواصم المقتدرة لتمنّ عليه بحزمة دولارات! هذا ما فعله مثلا في قطر، من دون ان يحمل في جعبته خريطة طريق واضحة ومفصّلة ستتبناها الدولةُ اللبنانية لرفع هذا التحدي.
في الغضون، تكتفي القوى السياسية كلّها، التي شاركت في قيام حكومة اللون الواحد، بالشكوى من تقصيرها، وبِحَثّها على العمل للتصدي للازمة الاقتصادية المعيشية. هذه هي حال التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل، التي نسيت ان لها وزراء في الحكومة هذه، وان وظيفتها اليوم هي “العمل”، لا “النق” والاكتفاء بالمواقف، على غرار القوى المعارِضة او الشعب المسكين.
اما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فبدوره، “يحثّ الحكومة” و”يناشد رئيسَها” و”يطالب الوزراء”، لا اكثر . وقد استقبل امس في القصر وفدا مشتركا من اللجنة النيابية للاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، سلّمه الورقة التشاركية التي تم الاتفاق عليها كمدخل لاعادة توجيه الدعم، وبحث رئيس الجمهورية مع ضيوفه في “الالية الواجب اعتمادها لتنفيذ الورقة”، واصفا إياها بأنها “مهمة في مضمونها وان كانت تأخرت بعض الوقت”، مشددا على “ضرورة إيجاد حلول سريعة وعملية لمسألة الدعم”.
هذا السلوك الرسميّ المُقصّر، يضع اللبنانيين على شفير كارثة قاتلة آتية لا محالة، ويرميهم في بركان لن يخرجوا منه الا بخسائر فادحة. وما لم يسرع اهل الحكم الى وضع خطة توقف استنزافَ احتياطي المركزي، وما لم يسرعوا ايضا الى تأليف حكومة قادرة على “إدخال” الاموال الطازجة الى بيروت، فإن السقوط المدوي سيكون قريبا وقريبا جدا. وبعد تنبيهات حاكم المركزي رياض سلامة ومراسلاته في هذا الخصوص الى المعنيين، حذّرت “موديز” في مذكرة امس من ان فقدان لبنان لعلاقات المراسلة المصرفية سيسرع من تراجعه الاقتصادي. وقالت “التعدي على الاحتياطيات الإلزامية للبنوك لدى مصرف لبنان في ظل استمرار مأزق الحكومة سيزيد من المخاطر على البنوك” وأضافت أن فقدان علاقات المراسلة المصرفية بشكل دائم سيزيد من اعتماد لبنان على التمويل الخارجي الرسمي، إذ ستظل المدفوعات العابرة للحدود وخدمات المقاصة في حالة من الشلل حتى بعد إعادة هيكلة شاملة للديون، مما سيثبط أي تعاف محتمل. وأشارت إلى أن احتياطيات لبنان المتاحة للاستخدام انخفضت إلى مليار دولار بنهاية شباط، وذلك استنادا إلى بيانات من البنك المركزي وهافر أناليتكس.
فهل تستفيق المنظومة من كبوتها وتضطلع بواجباتها الاخلاقية والسياسية والاقتصادية، وتضع حدا لمناكفاتها، قبل فوات الاوان، أم تصرّ على قتل اللبنانيين بدم بارد وعلى البطيء كرمى لمصالحها الشخصية والحزبية؟ في 4آب، كانت على علم بوجود النيترات في المرفأ ولم تتحرّك… اليوم، هي تعلم ان المأساة آتية، فهل تتحرّك؟ وذلك بحسب “المركزية”.