التأليف يعود الى المربع الأول… الوساطة العربية تفشل في مهدها والعقوبات الاوروبية تتحضر
لم تحقق زيارة كل من وزير الخارجية المصرية سامح شكري والامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي أي خرق على صعيد الأزمة الحكومية اللبنانية، ولم تنجح المساعي الخارجية الفرنسية والمصرية بتوفير حد أدنى من التوافق السياسي بين الأطراف الداخلية على صيغة حكومية. وبالتالي زادت الأزمة الحكومية تعيداً وبدأت تنحو نحو التصعيد بعدما عادت الأمور إلى المربع الأول في ظل جولة السجال الجديد على خط بعبدا – بيت الوسط على خلفية المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته إلى اللبنانيين، أمس الأول.
في هذا الوقت، انعكست حرب تصفية الحسابات الداخلية من باب “التدقيق الجنائي” تشنجا على الاوضاع السياسية المتوترة اصلا مع التعثر الحكومي المستمر، فاشتعلت “الجبهات” على كل المحاور دفعة واحدة لتزيد من قتامة المشهد القائم في البلاد
الحركة العربية من دون بركة
وفي ظل هذه المعطيات بدا تحرك جامعة الدول العربية عقب زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي اغضب بعبدا لاستثنائه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من لقاءاته، كأنه سباق مع الوقت ومع التدهور السياسي الآخذ في التفاقم. اذ ان الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، عرض في جولته على المسؤولين المساعدة في التقريب بين المتنازعين للاسراع في التأليف “قبل فوات الاوان”.
وقالت مصادر سياسية مطلعة عبر صحيفة “اللواء” ان الاهتمام الذي تجلّى من مصر وجامعة الدول العربية لمساعدة لبنان لتجاوز ازمته ينطلق من الخشية من تفاقم الاوضاع وانعكاسات عدم تأليف الحكومة على هذه الاوضاع، مشيرة إلى ان الاستعداد للمساعدة في اي مجال تكرر على لسان المسؤولين الذين زاروا لبنان مؤخراً، لكن الازمة مستعصية ولا بوادر انفراج على اي صعيد والمحركات الحكومية شبه متوقفة بانتظار امر ما. وفهم من المصادر ان تشديداً برز على موضوع اتفاق الطائف والالتزام به وبالنصوص الدستورية.
وفي خلاصة جولة الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي على المسؤولين اللبنانيين، التي حذر فيها من أنّ “الأصعب قادم ويجب التحرك قبل فوات الأوان”، استوقفت مصادر مواكبة لجولة زكي إعرابه عن “دعم عربي صريح لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري” الحكومية، موضحةً أنّ وصفها بـ”الجيدة جداً” من عين التينة يؤكد أن المبادرة “تحظى بغطاء عربي لحث الأطراف على المضي قدماً فيها”، غير أن المصادر استطردت بالسؤال: “هل يكون إجهاض مبادرة بري على يد حليفه “حزب الله” رداً على موقف القاهرة المناهض له؟”، مشددةً على أنّ “أجواء الغضب التي نقلها مقربون من “حزب الله” إزاء زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، تشي بأنّ “الحزب” لن يسمح بأي رعاية عربية للحل الحكومي”.
ولفتت مصادر سياسية مطلعة في 8 آذار لـ”البناء” الى ان “زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لم تخدم التوافق الحكومي شكلاً ومضموناً، إذ إنها كشفت الموقف المصري الذي يعكس الموقف السعودي والأميركي وثبت بأن الثنائي الأميركي السعودي لا يزال يعرقل تأليف الحكومة من خلال شروط سياسيّة على الرئيس المكلف سعد الحريري والتي لا يمكن أن يتحمّلها اللبنانيون ولا الحريري نفسه”، وتساءلت “لماذا استثنى وزير الخارجية المصرية رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله من زيارته؟ فهل أراد إيصال رسالة سياسيّة معينة لهذا الفريق؟ وألا يُعدّ هذا انحيازاً لفريق ضد آخر؟ وهل يخدم ذلك التوافق الحكومي؟ وهل يعكس هذا الموقف تغيرات ما في الموقف الإقليمي والدولي حيال الملف اللبناني؟”.
العقوبات آتية
وفي سياق متصل بالضغوط الفرنسية، حاولت بعض الشخصيات اللبنانية استكشاف طبيعة وجدية التهديدات التي اطلقها قبل يومين وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، وكان لافتا بحسب معلومات “الديار” امتناع المسؤول الفرنسي المكلف التواصل مع المسؤولين اللبنانيين باتريك دوريل الكشف عما يمكن أن تلجأ إليه باريس من عقوبات، ولكنه اكد ان الامر ليس “مزحة” ويعمل مستشارو وزير الخارجية لتحديدها وهي تشمل منع السفر وتجميد الاصول المالية، واشار الى ان ثمة قرارا حاسما لدى الرئيس ايمانويل ماكرون بتغيير نهجه مع بعض المسؤولين اللبنانيين، بعد أن تأكد له أن محاولات اقناعهم بالطرق الدبلوماسية لن تؤدي إلى نتيجة. وفي هذا السياق، العمل جار في باريس لتنظيم كتلة ضاغطة فرنسية – أوروبية بالتنسيق مع واشنطن وعدد من الدول العربية. ولم يجر بعد تحديد حجم العقوبات اوالجهات المستهدفة، لان مروحة المعرقلين بالنسبة للفرنسيين واسعة، لكن المفارقة في هذا السياق، ان الجانب الفرنسي يركز في تحميل المسؤولية على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا تبدو ان “النقمة” تطال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يبدو مطمئنا للموقف الفرنسي على الرغم من “استياء” الايليزيه من موقفه الرافض للقاء باسيل في باريس.
في المقابل، كشفت مصادر دبلوماسيّة عن أحد المسؤولين الفرنسيين في قصر الإليزيه لـ”البناء” أن الحريري بات في أجواء شموله بالعقوبات الفرنسيّة، في حال لم يعمد الى تأليف الحكومة بسرعة. وأضافت هذه المصادر، أن “هذه المعلومات تترافق مع إغضاب الحريري للمسؤولين الفرنسيين، بتمنّعه الأخير عن تلبية الدعوة الفرنسية للقاء رئيس التيار الوطني الحر”.
وقد استرعى الانتباه التحذير المشفّر الذي وجهه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى باريس عبر أثير قناة “أو تي في”، رداً على تلويح المسؤولين الفرنسيين بقرب إصدار عقوبات على المعرقلين السياسيين اللبنانيين لولادة الحكومة، بحيث كان تهديداً صريحاً في مقدمة النشرة المسائية للقناة بأنّ “فرض هذه العقوبات يعني حكماً نهاية المبادرة الفرنسية”!
التدقيق الجنائي الى الواجهة
وسط هذه الأجواء، بقي موضوع التدقيق الجنائي في أولويات البحث، على وقع التهديد المستمر للرئيس عون لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وضغط حزب الله والتيار الوطني الحر على رئيس حكومة تصريف الأعمال رياض سلامة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، قد يكون موضوع اقالة سلامة على جدول أعمالها.
إلى ذلك، اكدت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية لـ”اللواء” أنه جاد في موضوع التدقيق الجنائي ويواصل معركته لتحديد المسؤوليات مشيرة إلى انه في ظل اجتماع اليوم حول هذا الملف تتخذ الخطوة التالية، أما الكلام عن اجراء بحق حاكم مصرف لبنان فان المعلومات المتوافرة لم تؤكد ذلك ومعلوم ان اي اجراء بحق الحاكم يستدعي قراراً من الحكومة، ومن هنا دعت مصادر مطلعة إلى ما قد يحصل في الاجتماع مع شركة التدقيق الفاريز اند مارسال، ليبنى على الشيء مقتضاه.