“عبرنة الشوارع”.. نهج الاحتلال لتهويد القدس وتزييف تاريخها
القدس المحتلة – خـــاص صفا
ما إن تطأ قدماك مدينة القدس المحتلة، حتى تشاهد مدى التزوير والتغيير الذي حل ببعض شوارعها وأحيائها العربية العريقة، بعدما عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى “عبرنة” العشرات منها، بأسماء حاخامات وشخصيات يهودية، وأحداث تاريخية مزعومة.
وعلى مداخل الأحياء المقدسية وأزقتها، وتحديدًا في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، تنتشر لافتات ذات طابع توراتي مزور، بحيث تغيب الأسماء الحقيقية للمكان، وصولًا لاستكمال خطة تهويد القدس ومقدساتها، لتضحى قدسًا جديدة غريبة عن عروبتها الإسلامية.
وما فتئ الاحتلال عن مساعيه الهادفة لاقتلاع الجذور العربية لمدينة القدس عنوةً، وصبغها بدلالات تلمودية توراتية، عبر تغيير معالمها الإسلامية وحضارتها التاريخية، وتسمية شوارعها وأحيائها بأسماء عبرية، وكأنها “مدينة يهودية منذ الأزل”.
وتعتزم بلدية الاحتلال اليوم، “عبرنة” شوارع جديدة في المدينة المقدسة، وصبغها بطابع يهودي، في خطوة خطيرة تستهدف إنهاء كل تواجد وأسماء عربية فيها، وإحلال أخرى عبرية جديدة مكانها.
ومنذ عام 1948، عمد الاحتلال إلى “عبرنة” جميع أسماء الشوارع غربي القدس، لكن بعد احتلالها عام 1967، تصاعدت هذه السياسة، حتى أضحت مئات الشوارع والأزقة في شطرها الشرقي اليوم، بأسماء حاخامات يهود وقادة إسرائيليين، بالإضافة إلى نقش عبارات يهودية في بيوت بالبلدة القديمة، استولى مستوطنون عليها.
وهناك لافتات حملت مسميات تلمودية توراتية، مثلًا المسجد الأقصى يعني بالعبرية “هار هبايت” أي “جبل الهيكل”، وحائط البراق “هكوتيل همعربي”، واستبدل جبل الزيتون بـ”هار همشحاة”، وأطلق اسم “شير همعلوت” على حي في بلدة سلوان.
بالإضافة إلى استبدال شارع “باب الزاهرة” شمال البلدة القديمة باسم عبري على اسم مؤسس “سلطة الآثار” الإسرائيلية “أمير دروري”، وفي حي “أبو طور” يسمى شارعه المركزي بتسمية عبرية “أمات مايم”، وغيرها من المسميات.
وقبل عدة أيام، علق ما يسمى “اتحاد منظمات المعبد” و”مؤسسة تراث المعبد” لوحةً على مدخل جسر باب المغاربة الذي يؤدي إلى المسجد الأقصى للترحيب بالمقتحمين مع تعليمات تعتبر المسجد مكانًا مقدسًا لليهود.
محو عروبة القدس
الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول لوكالة “صفا” إن بلدية الاحتلال عمدت إلى تغيير أسماء الشوارع ذات الدلالات على عروبة القدس وهويتها الإسلامية، مثل شارع السلطان سليمان، وشارع صلاح الدين، وحي الفاروق في جبل المكبر.
ويوضح أن الاحتلال وضع لافتات في المدينة بأسماء توراتية للدلالة على أنها كانت موجودة منذ ما يسمى “حقبة الهيكل” المزعوم، وعمل على مسح الاسم الحقيقي لعشرات الشوارع والأحياء في البلدة القديمة وسلوان والعديد من الأماكن المقدسية.
ووفق أبو دياب، فإن “المسميات العبرية التي تحل محل الأسماء العربية التاريخية القديمة تكون ذات علاقة بالتوراة والعقيدة والحضارة اليهودية المزعومة، وبعضها يكون بأسماء ساسة الاحتلال وقادته”.
ويشير إلى أن الاحتلال يسابق الزمن، ويسير بخطى حثيثة ومتسارعة لأجل تغيير كل شيء على أرض الواقع، ومحو الهوية العربية وطمس معالم المدينة.
ويضيف أن بلدية الاحتلال تسيطر على كل مناحي الحياة بالقدس، وتلزم المقدسيين بالتعامل مع هذه المسميات العبرية في استهداف واضح للعقلية الفلسطينية والأجيال القادمة، وغسل أدمغتهم.
ويسعى الاحتلال إلى استكمال مشروعه التهويدي في بسط سيطرته ونفوذه كاملًا على المدينة المقدسة، عبر تزوير تاريخها ومعالمها وهويتها، وتغيير أسماء الشوارع الرئيسة، وتحديدًا في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
وبهذه المسميات العبرية، يقول أبو دياب إن “إسرائيل تريد أن توهم الناس، والزائرين للمدينة بأنها يهودية بحتة وموجودة منذ زمن الهيكل، وهذا الأمر خطير جدًا”.
وتتعارض سياسة الاحتلال هذه مع القانون الدولي، الذي يمنع تغيير أسماء الشوارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بسط سيطرته
أما رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، فيقول لوكالة “صفا” إن خطة الاحتلال لعبرنة أسماء الشوارع تندرج في إطار تهويد القدس بالكامل، وحسم قضيتها خلال العام 2021.
ويضيف أن الاحتلال يستهدف كل ما هو فلسطيني بالمدينة، وخلال العام الجاري صعد من سياسته الممنهجة والتهويدية، وبات يدمر ويفرض ما يريد على المقدسيين، لأجل بسط سيطرته الكاملة على المدينة، وفرض قوانينه المجحفة.
ويوضح أن الاحتلال يريد فرض أمر واقع جديد على الأرض، عبر محو الذاكرة لدى المقدسيين، وتغيير تاريخ وحضارة المدينة وصبغها بطابع يهودي.
ويتابع “لكن نقول للاحتلال إنك لن تستطيع أن تغير الواقع بالقدس، لأن هناك صراع على الهوية الفلسطينية، لا على شارع أو ميدان يعمل على تغييره”.
ويؤكد الهدمي أن المقدسيين سيتصدون لهذه السياسة، وسيحافظون على الأسماء العربية الأصلية لمدينتهم.